دون ان يؤخذ عدمها دخيلا في مقام الجعل، لما مر عدم معقولية دخل شئ في مقام الفعلية من دون ان يؤخذ في مقام الجعل، فيرد عليه ما أوردنا على سابقه.
فالأظهر ان الأصل هو التعيين، للعلم بحجية الراجح كفتوى الأعلم في مفروض المثال اما تعيينا أو تخييرا، والشك في حجية المرجوح وقد مر في أول مباحث الظن، ان الشك في الحجية مساوق للقطع بعد الحجية.
الثاني: ما إذا دار الامر فيه بين التعيين والتخيير في مقام الامتثال لأجل التزاحم، كما إذا كان غريقان، لا يتمكن المكلف من انقاذ كليهما، فلا ريب في أنه مع التساوي يجب عليه تخييرا انقاذ أحدهما، كما أنه لو كان أحدهما أهم يتعين عليه انقاذه خاصة، فحينئذ لو احتمل ان يكون أحدهما أهم فيتعين انقاذه معينا، أو يكونا متساويين فيتخير بين انقاذ أيهما شاء فالامر يدور بين وجوب انقاذ المحتمل الأهمية معينا، وبين وجوب انقاذه أيهما شاء مخيرا.
قد يقال ان الحكم في هذا القسم أيضا التعيين، لان التزاحم وان كان يوجب سقوط أحد التكليفين بامتثال الاخر، الا انه لا يوجب سقوط الملاكين عما هما عليه من حد الالزام، وحيث إن المحقق في محله، ان تفويت الغرض الملزم بعد احرازه قبيح بحكم العقل، كمخالفة التكليف الواصل، وهذا القبح لا يرتفع الا بعجز المكلف تكوينا، أو تشريعا بأمر المولى بشئ لا يتمكن المكلف من الجمع بين ما فيه الملاك وذلك الشئ، والا فما لم يثبت ذلك يحكم العقل بقبح التفويت، وأيضا قد مر في محله من هذا الكتاب انه إذا كان المتزاحمين أهم فالتكليف يكون متعلقا به وصارفا لقدرة المكلف نحوه، والملاك في الطرف الآخر مع كونه ملزما في نفسه لا يكون تفويته قبيحا بحكم العقل، لاستناده إلى تعجيز المولى إياه، وان كان كل من المتزاحمين مساويا مع الاخر في الملاك، فبما انه لا يجوز الترجيح بلا مرجح، فلا يصح التكليف بأحدهما معينا مطلقا فلا بد من التكليف بكل منهما مشروطا بعدم الاتيان بالآخرة، أو بالجامع بينهما، على الخلاف المحرر في محله وعلى كل حال يجوز الاكتفاء بأحدهما وتفويت الاخر، فمع احتمال أهمية أحدهما يكون الاتيان به وتفويت ملاك الاخر جائزا قطعا،