أفاد الشيخ الأعظم (ره) ان تلك الأدلة انما تدل على نفى الحكم الذاتي ينشأ من قبله الحرج، ووجوب الاحتياط، وان كان عقليا، لا يمكن رفعه الا برفع منشأ انتزاعه الا انه ناش من بقاء الأحكام الواقعية على حالها، فهي المنشأ للحرج الشئ إلى أسبق علله، فبأدلة نفى العسر يرفع الأحكام الشرعية الواقعية، فيرتفع وجوب الاحتياط بارتفاع موضوعه.
وأورد عليه المحقق الخراساني بان معنى دليل نفى الحرج ليس نفى الحكم الناشئ من قبله الحرج، بل مفاده نفى الحكم بلسان نفى الموضوع، بدعوى ان ظاهر الأدلة توجه النفي إلى العمل الحرجي، ويكون المراد نفيه في عالم التشريع، وهو عبارة أخرى عن نفى حكمه، نظير قوله (ع) لا ربا بين الوالد والولد، وعليه فلا يكون دليل نفى الحرج حاكما على ما يقتضى الاحتياط: لان الأحكام الواقعية متعلقة بأفعال خاصة مرددة بين أطراف الشبهة وتلك الأفعال لا تكون حرجية كي ترتفع بأدلة نفى الحرج، ووجوب الاحتياط ليس حكما شرعيا كي يرتفع بأدلة نفى الحرج فلا بد من الاحتياط وان استلزم الضرر.
أقول يرد على ما افاده أمران. أحدهما: ان لسان دليل نفى الحرج ليس نفى الحكم بلسان نفى الموضوع فإنه انما يكون فيما إذا كان الحكم مترتبا على موضوع وتعلق النفي بنفس ما تعلق به الحكم كما في مثل لا ربا بين الوالد والولد: فان الربا بنفسه متعلق للحرمة فالرواية الشريفة تنفى حكمه بلسان نفيه واما في المقام فالفعل الحرجي لم يذكر في الدليل، وانما المذكور فيه هو الحرج، وليس ذلك عنوانا للفعل، ليكون النفي راجعا إليه، فلا محالة يكون مفاد تلك الأدلة ما افاده الشيخ الأعظم (ره) فتكون حاكمة على قاعدة الاحتياط.
ثانيهما: ان قاعدة نفى الحرج تكون حاكمة على قاعدة الاحتياط حتى على مسلك المحقق الخراساني (ره) في مثل المقام مما كانت أطراف الشبهة من التدريجيات إذ الحرج لا محالة يكون في الافراد الأخيرة، وعليه كان الحكم في الواقع مترتبا على الافراد المتقدمة فقد امتثله المكلف على الفرض، وان كان متعلقا بالافراد الأخيرة كان متعلقه حرجيا فيرتفع بقاعدة نفى الحرج.