في المقام إذ حرمة التشريع، وعدم جواز طرح الأصول مركوزان في أذهان العرف والعقلاء، ومع ذلك يعملون بخبر الثقة فيستكشف من ذلك أن العمل به لا يعد تشريعا عند العرف بل يرونه إطاعة، ولذا يعولون عليه في أوامرهم العرفية، اما الأصول التي مدركها حكم العقل، فلا تجرى في مقابل خبر الثقة، بعد الاعتراف ببناء العقلاء على العمل به، واما الأصول اللفظية، فلان مدركها بناء العرف والعقلاء، ولا بناء منهم على اعتبارها، فأدلتها لا تشمل صورة وجود الخبر الموثوق به في مقابلها.
وفيه: ان العرف والعقلاء انما لا يرون العامل بخبر الثقة في أموراتهم مشرعا لما يرونه حجة فعدم كونه تشريعا انما يترتب على حجيته، فلا يمكن اثبات الحجية بعدم التشريع، - وبعبارة أخرى - عدم كونه مشرعا انما يكون من جهة كون الخبر حجة عندهم، فلو كان ذلك كاشفا عن امضاء الشارع، كان العامل غير مشرع عنده أيضا والا كان مشرعا، والكلام الان في كاشفيته عن امضاء الشارع بعد ورود ما يصلح للرادعية فتدبر فإنه دقيق، مع أن حمل جميع الاخبار والآيات المتضمنة للنهي عن اتباع غير العلم على إرادة أحد الامرين الذين أشار إليهما خلاف الظاهر، فان الظاهر من كل عنوان مأخوذ في دليل دخله في الحكم بنفسه.
فالصحيح في الجواب ان يقال ان عمل العقلاء بخبر الثقة انما هو من جهة الغائهم احتمال الخلاف، وفرضه كالعدم والمعاملة العلم - وعليه - فلا يعقل رادعية العمومات الناهية عن العمل بما وراء العلم عنه إذ الرادعية فرع كون مورد البناء ومفاد العمومات شيئا واحدا و، الا فلو كان كل منهما متكفلا لبيان امر غير ما يكون الاخر متكفلا له، لا معنى للرادعية وهو واضح، والعمومات متضمنة لبيان عقد الحمل، وان كل ما صدق عليه غير العلم لا يجوز اتباعه، واما انه في أي مورد يصدق هذا العنوان فتلك العمومات غير متكفلة لبيانه، بل لا بد من التماس دليل آخر كما هو الشأن في جميع الأدلة المتضمنة للأحكام على الموضوعات، وبناء العقلاء متكفل لبيان عقد الواضح وان خبر الثقة ليس بغير علم، وعليه فالعمومات غير رادعة عنه بل لا يعقل رادعيتها.
فتحصل انه بمقتضى بناء العقلاء على العمل بخبر الثقة، بضميمة عدم الردع يبنى