وفيه: ان كون السيرة مخصصة للعام المتأخر متوقف على حجيتها، وهي تتوقف على احراز تمكن الشارع من الردع قبل نزول الآيات الناهية، لتكون السيرة حجة حينئذ وقابلة لتخصيص العام، وانى لنا باثبات ذلك كيف ولم يكن (ص) في أول البعثة متمكنا من الردع عن المحرمات القطعية كشرب الخمر مثلا، ولا من الامر بالواجبات الضرورية كالصوم والصلاة ومع عدم التمكن لا يكون السيرة حجة.
ومنها: ما في الكفاية متنا، قال لا يكاد يكون الردع بها الا على وجه دائر وذلك لان الردع بها يتوقف على تخصيص عمومها أو تقييد اطلاقها بالسيرة على اعتبار خبر الثقة وهو يتوقف على الردع عنها بها والا لكانت مخصصة أو مقيدة لها ثم أورد على نفسه بأنه على هذا يكون اعتبار خبر الثقة أيضا دوريا، لتوقفه على عدم الردع بها المتوقف على تخصيصها بها المتوقف على عدم الردع، وأجاب عنه بأنه يكفي في حجيته بها عدم ثبوت الردع عنها، ولا يتوقف على ثبوت عدم الردع.
وأورد عليه المحقق صاحب الدرر (ره) والأستاذ الأعظم: بان عدم ثبوت الردع لا يكفي في تخصيص العمومات بالسيرة بل لا بد من ثبوت الامضاء المنكشف بثبوت عدم الردع، فان سيرة العقلاء ما لم يمضها الشارع لا تكون حجة.
ويمكن رد ذلك، بان هذا الايراد لا يرد عليه (قده) على مسلكه في حجية طريقة العقلاء، إذ ليس مبناه فيها الملازمة بين حجية شئ عند العقلاء وحجيته عند الشارع حتى يحتاج إلى امضاء الشارع كي يكون المقتضى للحجية امضاء الشارع، ويكون ثبوت عدم الردع أحد الطرق الكاشفة عن امضائه بل مبناه، ان الشارع بما انه رئيس العقلاء وهو منهم متحد المسلك مع العقلاء، فهذا مقتض لاتحاد المسلك - وبعبارة أخرى - نفس بناء العقلاء مقتض لحجية الخبر لفرض كونه منهم، وردعه كاشف عن اختلاف مسلكه معهم من حيث إنه منهم، فعدم ثبوت الردع كاف في الحكم باتحاد المسلك لعدم المانع عن الحكم بالاتحاد.
فالصحيح ان يورد عليه بان، عدم ثبوت التخصيص يكفي في حجية العمومات أيضا وصلوحها رادعة عن السيرة إذ الدليل حجة ما لم يثبت خلافه.