فقوله تعالى: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) (1) ليس مفهومه «أقربوا ماله بوجه كذا» فإن ذلك ليس مفهوما له; ضرورة عدم وجوب ذلك على جميع المكلفين أو بعضهم، ولا جواز ذلك مقابل النهي; فإن الجواز أيضا ليس مفهوما له، بل المفهوم سلب عدم قربهم جميعا، وهو ينتقض بجواز قرب بعضهم.
ولو لم يسلم ما ذكر، لكن إثبات القضية الكلية أيضا مشكل، فلا أقل من الإجمال والرجوع إلى سائر القواعد.
ولو قيل: إن إثبات القضية الجزئية هناك إنما هو لأجل أخذ عنوان «الشئ» أو «الكل» ونحوهما في المنطوق، ولازمه ما ذكر من الجزئية; فإن مفهوم «لا ينجسه شئ» «ينجسه شئ» أو «ليس لا ينجسه شئ» وهو القضية الجزئية، وكذا إذا اخذ مثل العنوان في المنطوق في الجملة الاستثنائية.
وأما مع عدم أخذ العنوان، فلا محيص عن الالتزام بأن المفهوم كلي كما في المقام، فمفهوم قوله تعالى: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) هو ثبوت جواز القرب للجميع، فكأنه قال: «أقربوا بالتي هي أحسن».
يقال: إن الاستثناء هو إخراج ما دخل في المستثنى منه بالإرادة الاستعمالية، فيعلم أن الجد يغاير الاستعمال، فألفاظ المستثنى منه استعملت في معانيها الواقعية، ولولا الاستثناء لحكمنا بأن ما أريد في الاستعمال موافق للجد، فبالاستثناء نكشف أن الجد يخالفه.
فالاستثناء تقطيع عن الحكم السابق بمقدار المستثنى، لا حكم مقابل للمستثنى منه ابتداء، وإنما لازم هذا الإخراج والتقطيع ثبوت حكم مقابل