العنبي ونحوها; مما قدمنا أنها يستفاد حكمها من أدلة ضمان الإتلاف.
بل المقام من قبيل التسبيب مع الوسط; فإن الشهادة موضوعة لوجوب حكم الحاكم، وحكمه فاصل للخصومة، وموجب لانقطاع يد المالك عن ماله في ظاهر الشرع، فشاهد الزور موجب لذهاب ماله من يده، كما عبر به في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.
فالمراد من ذهاب ماله فيها، وإتلاف مال الرجل في صحيحة جميل، أمر واحد، وهو انقطاع يده عن ماله; بنحو لا يرجى العود، وإن كان المتلف الحقيقي شخصا آخر، كما هو المفروض في المقام.
ويستفاد من قوله (عليه السلام): «بقدر ما ذهب من ماله» وقوله (عليه السلام): «بقدر ما أتلف من ماله» أن تمام الموضوع للضمان هو الإتلاف على مالكه والإذهاب من يده، فيستفاد من التعبيرين اللذين هما بمنزلة التعليل عرفا، أن كل فعل يوجب ذهاب المال من يد مالكه - تكوينا، أو شرعا، بلا وسط، أو مع الوسط بنحو ما في المقام - موجب للضمان.
لكن مع ذلك فالمسألة لا تخلو من إشكال، لا لاحتمال أن يكون الضمان في شاهد الزور جعليا لتأديبه; ضرورة أنه مخالف للظاهر، فإن قوله (عليه السلام):
«ضمن بقدر ما أتلف» ظاهر في أن الضمان للإتلاف.
مع أن الروايات التي بصدد بيان مجازاته - من التعزير، والحبس، والطواف به حتى يعرفه الناس - ساكتة عن التضمين، فيعلم أن الضمان أمر، والتأديب والسياسة أمر آخر.
ولا لاحتمال أن يكون «الإتلاف» بمعنى إتلاف المال، كما هو ظاهر الروايات، لا الإتلاف على المالك، كما مر احتماله، وكان مبنى الاستدلال لضمان التسبيب.