4 - بقي أن نشير إلى أن المراد من الآية الشريفة هو: أن كل نبي من الأنبياء يحب ويرغب (لأن التمني هو الرغبة في الأمر المحبوب) ما يتناسب مع وظيفته كرسول. وأعظم ما يتمناه هو ظهور الحق والهدى، وطمس الباطل، ورد كيد الأعداء.
فيلقي الشيطان في أمنيته (ولم يقل: في فكره ولا في قلبه) وأمنيته هي ظهور الحق. يلقي فيها ما يفسدها ويوجب عدم ظهورها.
فالأمنية هي: الشيء الذي يتمناه الإنسان ويرغب فيه، كما تقول: أمنيتي شفاء ولدي، أو نجاحه في الامتحان، ثم يحصل ما لم يكن بالحسبان مما يمنع من شفائه أو من نجاحه، كخطأ الطبيب في الدواء، وغيبة معلمه، فنقول: إن الشيء الفلاني ضيع علي أمنيتي تلك وأفسدها، ولا يعني ذلك أن ذلك الشيء وهو خطأ الطبيب مثلا قد دخل في فكرك وقلبك، وأفسد التمني والرغبة.
بل هو قد أفسد الأمنية والمتمنى. فالرغبة باقية، ولا تزال قائمة، والمتمني لم يزل يحب شفاء ولده ونجاحه بالامتحان.
ولأجل ذلك فإن كل نبي يتمنى أمرا وذلك الأمر هو أمنيته، فيلقي الشيطان في تلك الأمنية وفي ذلك الأمر بالذات (لا في نفس التمني والرغبة) ما يفسده ويضيعه، فيراه الناس ويفتتن الذين في قلوبهم مرض بفعل الشيطان هذا. فتتدخل الإرادة الإلهية لتبطل كيد الشيطان، ويظهر نور الهدى، ويتجلى بطلان الباطل.
والقرينة على أن المراد بالأمنية هو ظهور الحق وزهوق الباطل هو قوله تعالى بعد هذا (فينسخ الله ما يلقي الشيطان) أي من شبهات وغوايات (ثم يحكم الله آياته) ويظهر نور الحق والله عليم حكيم.
وبذلك أيضا يعرف السبب في أن الله سبحانه قال: ألقى الشيطان في أمنيته ولم يقل في تمنيه.
5 - إن هذا البعض قد رفض ما ذكره العلامة السيد الطباطبائي من أن إلقاء الشيطان في الأمنية النبوية إنما هو في الواقع الخارجي وأن الآية تتحدث عن إغواء الشيطان للآخرين.
نعم لقد رفض هذا القول مدعيا أن هذا يخالف دلالة الآية على وجود شيء