في كلماتها، كما نفهمه.. لأنها ظاهرة في وجود شيء ما من الشيطان في طبيعة الأمنية.. وقد لا يكون من الضروري ظاهرا أن يكون هذا الشيء فعليا فيما يصدر عنه من قول أو فعل.. أو يكون منافيا للمبادئ التي يبشر بها، فقد يكون انفتاحا في الإقبال عليهم والاستماع لهم والانجذاب العاطفي إليهم والإيحاء لهم بالتفكير فيما يقولونه مما قد يطمعهم فيه، أو يوحي إليهم بأن موقفه قد أصبح أكثر مرونة.. فيؤدي ذلك إلى اهتزاز الموقف في حركة الرسالة، من حيث تأثيره على صلابة الفكرة في خط المواجهة وتبيان الموقع في ساحة الصراع.. وإضعافه للمؤمنين الذين قد تكون المرونة في الموقف في علاقة النبي بالمشركين، موجبا لتخفيف حالة التوتر النفسي لديهم، فيهتز إيمانهم من خلال ذلك.
قد تكون المسألة متحركة في خط الإيحاء في الأسلوب الذي قد يوحي بغير ما يريده.. مما يدخل في محاولة احتواء الساحة، بالموقف المهادن لهم، والمجامل لعقيدتهم، من دون إعطاء أي اعتراف بها أو أي انجذاب إليها، وذلك من باب السكوت عنهم، والاكتفاء بالإعلان عن وحدانية الله من الناحية الإيجابية التي ترتبط بعبادته، لا من الناحية السلبية التي ترتبط برفض عبادة غيره، ليكون ذلك بمثابة الهدنة التي تخف فيها حدة الصراع، من أجل إيجاد الجو الملائم لإدارة الحوار معهم في جو هادئ..
قد تكون هذه الأفكار وأمثالها هي التي كانت تخطر في ذهن النبي محمد (ص) في بعض الحالات الصعبة كما كانت تخطر في أذهان الأنبياء والرسل من قبله، عندما تشتد التحديات أمام الدعوة، ويتعرض المؤمنون للزلزال النفسي من خلال الضغوط التي تضغط عليهم بكل قسوة.
ولكن هذه الإيحاءات لا تترك أثرها في الواقع، ولا تملك موقعا مستقرا في عمق الذات، بل هي خطورات ذهنية تطوف بالذهن، وتتحرك - بسرعة - في مظاهر السلوك، فيتأثر بها المجتمع المؤمن بطريقة سلبية، وينجذب إليها المجتمع الكافر، بطريقة إيجابية.. ولكنها سرعان ما تزول أمام الحاجة إلى الموقف الحاسم الذي يفصل بين الإيمان والشرك بفاصل واضح، لا مجال فيها لأية مهادنة، أو لأي لقاء لأن المسألة تتصل بالأسس لا بالتفاصيل.. ولعل هذا هو المعنى الإيحائي الذي نستوحيه في قوله تعالى: (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا).