لأجل الدين، فلعله كان يتصدى للأغنياء لأهداف دنيوية، ولعل ذلك العابس يتظاهر بأنه مهتم بنشر هذا الدين، وقد جاء مع أولئك الأغنياء مظهرا حرصه على إيمانهم، فكان يتلهى بالحديث معهم، مظهرا الضيق والإشمئزاز من ذلك الفقير.
4 - وقوله تعالى: (وما يدريك لعله يزكى) ليس فيه أن الغني سوف يزكى على يد ذلك العابس، فلعله يتزكى على يد شخص آخر غيره، ممن هم في ذلك المجلس، كالنبي (ص)..
5 - إن الآيات تشعر - إن لم نقل تدل - أنه قد كان من عادة العابس أن يتصدى للأغنياء ويتلهى عن الفقراء، ولم يكن ذلك من عادة النبي (ص).
6 - قد روي عن أهل البيت (ع) أن الآيات قد نزلت في رجل من بني أمية، وبعض الروايات قد صرحت باسمه (1)، وروى الطبرسي أيضا عن الإمام الصادق عليه السلام: (أن رسول الله كان إذا رأى ابن أم مكتوم قال: مرحبا مرحبا، لا والله، لا يعاتبني الله فيك أبدا، وكان يصنع به من اللطف، حتى كان يكف عن النبي (ص) مما يفعل به. والظاهر أنه (ص) كان يريد بهذا الفعل التعريض بمن صدر منه ذلك في حق ابن أم مكتوم.. كأنه يقول له: والله أنا لا أعاملك كما عاملك فلان..) هذا بالإضافة إلى أن دعوى نزول الآيات في النبي (ص) إنما وردت في روايات غير الشيعة.
واغترار البعض بها، وقبوله لها وترك ما روي عن أهل البيت (عليهم السلام)، لا يعلم له وجه صحيح، علما أن بعض مفسري العامة، ومنهم الفخر الرازي في رسالته في عصمة الأنبياء قد طرح هذه الروايات، وعلل ذلك بأنها أخبار آحاد ومخالفتها للقواعد العقلية.
7 - إن الاعتذار عن نزول الآية في النبي (ص): بأن ابن أم مكتوم كان أعمى، وليس في العبوس إساءة له، لأنه لا يرى، إعتذار غير سديد، لأن الله سبحانه قد طالب العابس بهذا الأمر، واعتبره أمرا يستحق اللوم والعتاب..
وإذا كان ابن أم مكتوم لا يرى العبوس، فان الحاضرين قد رأوه وأدركوه، واستقر في أنفسهم أن العابس غير مرتاح من ذلك الأعمى.