إن هذه الآيات وأمثالها قد توحي بأن هناك شيئا ما يخطر بالبال، ولكنه لا يثبت في النفس بل يطفو على سطح بعض الممارسات، ثم ينتهي بشكل حاسم.. من دون أن يسيء إلى فكرة العصمة في الذات، أو العصمة في التبليغ، لأن تأثر الإنسان بما حوله في مسائل الخطورات الذهنية السريعة الطارئة، تماما، كما هو تأثره بما حوله من الروائح الطيبة أو النتنة، أو بما تثيره الأطعمة اللذيذة القريبة منه، من افرازات جسدية في حالة الجوع، أو الاشتهاء.. فان العصمة، لا تلغي العنصر الإنساني الذاتي في شخصيته، بل تلغي الحركة المنحرفة في خط العقيدة التي يعتقدها، والفكرة التي يتبناها، والكلمة التي يقولها، والحركة التي يتحرك فيها..
ربما يكون هذا الذي عرضناه تفسيرا للآيات، فيما نستوحيه من معناها، لأنه يتناسب مع طبيعة الأسلوب والكلمات الذي يؤكد أن الشيء الآتي من الشيطان يدخل في عمق الأمنية في داخل الذات، لا أنه يتحرك في دائرة الآخرين الذين يعيشون أجواء الرسالة بحيث يكون الإلقاء حركة في خط الأمنية في خط الآخرين، كما أنه لا يتنافى مع الشخصية النبوية الرسالية في التزامها بالتوحيد وإصرارها عليه، وابتعادها عن كل الإيحاءات والكلمات التي تتنافى معه، حتى بنحو الغفلة والسهو.. والله العالم بحقائق آياته.
(فينسخ الله ما يلقي الشيطان) ويزيله من فكر النبي أو الرسول وقلبه، حتى لا يبقى منه أي أثر سلبي على حركة الرسالة في الفكرة والأسلوب، لأن الله يتعهد رسله بالرعاية في مشاعرهم وأفكارهم، كما يتعهدهم في حياتهم وحركتهم في خط الرسالة، وذلك من خلال رعايته لرسالته من خلالهم (ثم يحكم الله آياته) ويثبتها فلا يدع أي مجال للريب فيها، من أية جهة كانت، وذلك من خلال ألطافه التي يغدقها على رسوله، فيمنع - بذلك أي تحريف للكلمة، وأي زيادة فيها، لأن ذلك هو السبيل لإحكام الآيات على أساس الثقة الشاملة بموافقتها للوحي الإلهي ".
إلى أن يقول:
" (ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض) من الكفر أو النفاق (والقاسية قلوبهم) الذين تحجرت قلوبهم بالجهل والتخلف حتى لم تعد تنفتح على شيء من الفكر الحق، وتجمدت مشاعرها بالغلظة والقسوة، حتى لم تعد تنبض بالرحمة والخير. وذلك من خلال هذه الأجواء التي تثيرها الأساليب المتنوعة في الطبيعة الإيحائية لحركة النبي في الساحة.. حيث تأخذهم العزة بالإثم من جهة، باعتبار ذلك مظهر قوة