علامات استفهام حول معجزة انشقاق القمر " ويتساءل الرافضون لهذا التفسير، إن القمر لو انشق كما يقال، لرآه جميع الناس ولضبطه أهل الأرصاد في الشرق والغرب لكونه من أعجب الآيات السماوية، ولم يعهد فيما بلغ إلينا من التاريخ والكتب الباحثة عن الأوضاع السماوية له نظير، والدواعي متوفرة على استماعه ونقله.
وأجيب بما حاصله، أن من الممكن أولا: أن يغفل عنه فلا دليل على كون كل حادث أرضي أو سماوي معلوما للناس محفوظا عندهم يرثه خلف عن سلف. وثانيا: أن الحجاز وما حولها من البلاد العربية لم يكن بها مرصد للأوضاع السماوية، وإنما كان ما كان من المراصد بالهند والمغرب من الروم واليونان وغيرهما، ولم يثبت وجود مرصد في هذا الوقت - وهو على ما في بعض الروايات أول الليلة الرابعة عشرة من ذي الحجة سنة خمس قبل الهجرة.
على أن بلاد الغرب كانت تختلف بالأفق مع مكة مما يوجب فصلا زمانيا معتدا به وقد كان القمر، على ما في بعض الروايات، بدرا وانشق في حوالي غروب الشمس حين طلوعه، ولم يبق على الانشقاق إلا زمانا يسيرا ثم التأم فيقع طلوعه على بلاد الغرب وهو ملتئم ثانيا.
وقد يجاب عن هذا بأن من الممكن التسليم بالفكرة التي يثيرها الجواب الثاني.. أما بالنسبة إلى الجواب الأول فليس هناك مجال للتسليم به.. لأن مسألة انشقاق القمر بالطريقة التي تثيرها الروايات تمثل حادثا خطيرا لم يعهده الناس في حياتهم، مما يجعل إمكان غفلة البعض عنه لا تبرر غفلة الأكثر لا سيما في تلك المناطق التي يلتقي فيها الناس بالقمر في مراقبة دائمة له باعتباره مصدر الضوء البارز في لياليهم التي لا يملكون فيها إلا الطرق البدائية في مصادر النور.. ولذلك فإن هذا الحدث لو كان لذاع وشاع وملأ الأسماع، كما يقولون، ولاستمر الحديث عنه مدة طويلة.. ولكان يوما تاريخيا يخلده الناس فيما يؤقتون به الأمور على طريقتهم المعروفة في حساب التاريخ بالأيام التي تحمل حدثا كبيرا لا يختلف الناس فيه لضخامة الأثر الذي يتركه في حياتهم.
وفي ضوء ذلك كله، فإننا نتحفظ في المسألة لأننا لا نجد أساسا يقينيا للالتزام بهذه الروايات، كما لا نجد ظهورا قرآنيا في تحديد الموضوع بزمان الرسالة. " (1).