وعندما فاجأه الإمام (عليه السلام) بأن خرج من قيوده بعد مسير يومين من المدينة، ووصل في نفس الساعة إلى الشام ودخل على عبد الملك بلا استئذان وخاطبه غاضبا: مالك ومالي تحبسني ظلما؟! قال عبد الملك للزهري: (إنه جاءني في يوم فقده الأعوان (الشرطة المرافقين للإمام (عليه السلام)) فدخل علي فقال: ما أنا وأنت؟! فقلت: أقم عندي فقال: لا أحب ثم خرج، فوالله لقد امتلأ ثوبي منه خيفة! قال الزهري: فقلت: يا أمير المؤمنين ليس علي بن الحسين حيث تظن (وتتهمه بالتحضير لثورة) إنه مشغول بربه، فقال: حبذا شغل مثله فنعم ما شغل به)! (تاريخ دمشق: 41 / 372).
* * ثم رأى عبد الملك من الإمام (عليه السلام) حادثة زادت دهشته حتى نسي فك الإمام لقيوده ومفاجأته له في قصره بالشام! فقد روى ابن حمزة في الثاقب / 365، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (كان عبد الملك بن مروان يطوف بالبيت وعلي بن الحسين يطوف بين يديه ولا يلتفت إليه، ولم يكن عبد الملك يبصر وجهه فقال: من هذا الذي يطوف بين يدينا ولا يلتفت إلينا؟ فقيل له: هذا علي بن الحسين، فجلس مكانه فقال ردوه إلي فردوه، فقال له: يا علي بن الحسين إني لست قاتل أبيك فما يمنعك من المصير إلي؟ فقال علي بن الحسين: إن قاتل أبي أفسد بما فعله دنياه عليه وأفسد أبي عليه بذلك آخرته، فإن أحببت أن تكون كهو فكن. فقال: كلا، ولكن تصير إلينا لتنال من دنيانا. فجلس زين العابدين وبسط رداءه فقال: اللهم أره حرمة أوليائك عندك! فإذا رداؤه مملوء دررا يكاد شعاعها يخطف بالأبصار! فقال: من يكون هذه حرمته عند ربه كيف يحتاج إلى دنياك؟! ثم قال: اللهم خذها فلا حاجة لي فيها). (والخرائج: 1 / 255، والصراط المستقيم: 2 / 180)!
ولعل الإمام (عليه السلام) ترك عبد الملك مشدوها يقلب جواهره ويجمعها فرحا بها، وتابع هو طوافه وعبادته وفرحه بفضل الله ورحمته!
* *