وكانت بيعة كنت لها كارها، فانتظروا ما دام هذا الرجل حيا، فإن يهلك نظرنا ونظرتم... ليكن كل امرئ منكم حلسا من أحلاس بيته ما دام هذا الرجل حيا، فإن يهلك وأنتم أحياء رجونا أن يخير الله لنا ويؤتينا رشدنا). (أنساب الأشراف / 786).
كان (عليه السلام) يعلم أن القوم ليسوا أهل جهاد ولا حرب، لكن المانع له ليس كذبهم أو صدقهم، بل الوفاء بصلح أخيه مع معاوية وبيعتهم له، والوفاء قيمة لا يتنازل عنها الإمام الحسين (عليه السلام)! ففي الأخبار الطوال للدينوري / 220، أن حجر بن عدي (رحمه الله) جاء إلى الحسن (عليه السلام) وأراد منه أن يعلن بطلان الصلح لأن معاوية نقض الشروط، فلم يقبل: (قال فخرج من عنده ودخل على الحسين رضي الله عنه مع عبيدة بن عمرو، فقالا: أبا عبد الله شريتم الذل بالعز وقبلتم القليل وتركتم الكثير! أطعنا اليوم واعصنا الدهر دع الحسن وما رأى من هذا الصلح واجمع إليك شيعتك من أهل الكوفة وغيرها وولني وصاحبي هذه المقدمة، فلا يشعر ابن هند إلا ونحن نقارعه بالسيوف! فقال الحسين: إنا قد بايعنا وعاهدنا ولا سبيل إلى نقض بيعتنا). انتهى. ولذلك قال الإمام الباقر (عليه السلام): (والله للذي صنعه الحسن بن علي كان خيرا لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس، والله لقد نزلت هذه الآية: ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، إنما هي طاعة الإمام، وطلبوا القتال، فلما كتب عليهم القتال مع الحسين (عليه السلام) قالوا: ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب! أرادوا تأخير ذلك إلى القائم (عليه السلام)). (الكافي: 8 / 330).
وفي الأخبار الطوال / 221، أن أهل الكوفة كتبوا له (عليه السلام) بعد شهادة أخيه الإمام الحسن (عليه السلام) رسالة جاء فيها: (فأقدم علينا فقد وطنا أنفسنا على الموت معك. فكتب إليهم: أما أخي فأرجو أن يكون الله قد وفقه وسدده فيما يأتي، وأما أنا فليس رأيي اليوم ذلك فالصقوا رحمكم الله بالأرض واكمنوا في البيوت،