فأخذ بمقدم السرير ثم مضى نحو البقيع فقال له حسين: ما تريد؟ قال: عزمت عليك بحقي أن لا تكلمني كلمة واحدة، فصار به إلى البقيع فدفنه هناك رحمه الله، وانصرف مروان ومن معه). (سير أعلام النبلاء: 3 / 275، وتاريخ دمشق: 13 / 291).
أقول: في هذه الروايات إشكالات، أهمها أن رواة الخلافة دأبوا على تصوير الإمام الحسين (عليه السلام) وكأنه مصر على الحرب خلافا لأخيه الحسن (عليه السلام)! وهذا خط عام عندهم، فهم يصورون الإمام الحسن (عليه السلام) مسالما تقيا، والإمام الحسين (عليه السلام) عنيفا جريئا على إراقة الدماء! أما الواقع فهو أن الإمام الحسين نفذ وصية أخيه (عليهما السلام) حرفيا وحقق هدفهما من إظهار الرغبة في دفنه عند جده (صلى الله عليه وآله)، لكنه بين من أول الأمر أنها رغبة مشروطة بعدم إراقة الدماء، ولا يمنع ذلك أنه استنفر بني هاشم ودعا بحلف الفضول، لإثبات ظلامتهم وحقهم المشروع في الدفاع عنها، وعندما اقترب الأمر من القتال وظهر للناس أن معاوية ومروان غاصبون دمويون، فطمأن الإمام الحسين (عليه السلام) الشخصيات التي توسطت، وهدأ بني هاشم وحلفاءهم وأمرهم أن يكفوا سيوفهم! ومن أدق النصوص في موقف الإمام الحسين (عليه السلام) ما كتبه ابن عبد الوهاب في كتابه (عيون المعجزات) الذي ألفه سنة 448، وقد تقدم بعضه في وصية الإمام الحسن (عليه السلام) قال في / 57: (فلما فرغ من شأنه وحمله ليدفنه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ركب مروان بن الحكم طريد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بغلة وأتى عائشة فقال لها: يا أم المؤمنين إن الحسين يريد أن يدفن أخاه الحسن مع رسول الله، والله إن دفن معه ليذهبن فخر أبيك وصاحبه عمر إلى يوم القيامة! قالت: فما أصنع يا مروان؟ قال: إلحقي به وامنعيه من أن يدفنه معه. قالت: وكيف ألحقه؟ قال: إركبي بغلتي هذه فنزل عن بغلته وركبتها وكانت تثور الناس وبني أمية على الحسين (عليه السلام) وتحرضهم على منعه مما هم به، فلما قربت من قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)