أقول بناءا على ما اخترناه من جريان الأصول الشرعية النافية للحكم في موارد دوران الامرين المحذورين، لا بد من البناء على التخيير، لاطلاق الأدلة فان كلا من الحكمين المجهولين مورد لأصالة البراءة واستصحاب عدمه سواء كان أحدهما على تقدير ثبوته في الواقع أهم من الاخر، أم لم يكن، وكذلك بناءا على ما اختاره المحقق الخراساني من جريان أصالة الحل في المقام، وبه يظهر ان محل كلامه في المقام مع الغض عما افاده من اجراء أصالة الحل.
واما بناء على كون الحكم فيه هو التخيير العقلي، ففي الكفاية موافقا لغيره ومع احتماله لا يبعد دعوى استقلاله، بتعينه كما هو الحال في دوران الامر بين التخيير والتعيين انتهى.
وأورد عليه بايرادين، أحدهما: ما عن الشيخ الأعظم (ره) وهو ان الحاكم هو العقل فلا يعقل تردده بين التعيين والتخيير بل هو ان مستقل بالتعيين أو بالتخيير فلا يكون المقام داخلا في كبرى دوران الامر يبن التعيين والتخيير.
وفيه: انه يمكن ان يقال ان العقل مستقل بالتعيين عند الأهمية لقبح التساوي بين الراجح والمرجوح، ومستقل بالتخيير عند التساوي لقبح الترجيح بلا مرجح، وان لم يحرز أحدهما ولم يدرك الأهمية، فلا محالة يتردد العقل بين التعيين والتخيير، ولكن لا بما هو حاكم بتلك الكبريين، بل إنه لم يدرك الملاك للحكم الشرعي الواقعي وهذا لا محذور فيه.
ثانيهما: ما عن المحقق النائيني (ره) وهو انه وان اخترنا في باب التزاحم ان الأصل هو التعيين، الا ان الأصل في المقام هو التخيير، وذلك لأنه في باب التزاحم، تارة يكون لكل من دليلي الحكمين اطلاق، وأخرى لا يكون لشئ منهما ذلك، اما في الصورة الأولى فحيث ان التزاحم انما ينشأ من اطلاق كل من الخطابين لحال الاتيان بمتعلق الاخر مع عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما، فلا بد من سقوط أحد الاطلاقين، فان كانا متساويين سقط الاطلاقان، لبطلان الترجيح بلا مرجح، فيقيد كل منهما بعدم الاتيان بالآخر، وهذا معنى التخيير وإذا كان أحدهما أهم سقط اطلاق الاخر وبقى