نظرا إلى أن ردع النفوس عن فعل ما فيه المفسدة وترك ما فيه المفسدة وترك ما فيه المصلحة واجب بقاعدة اللطف، فالمتجري لا يستحق العقاب لان ما فيه المفسدة ذات شرب الخمر لا ما اعتقد انه شرب الخمر، وان قلنا انه انما يكون بحكم العقل كما هو المشهور، فالمتجري يستحقه لاتحاد الملاك فيه مع المعصية الواقعية: لان العقاب على المعصية ليس لأجل ذات المخالفة مع التكليف، ولا لأجل تفويت غرض المولى، ولا لأجل ارتكاب المبغوض بما هو لوجود الكل في صورة الجهل، بل لكونها هتكا لحرمة المولى وجرئة عليه، وعدم العمل بما يقتضيه قانون العبودية والمولوية إذ بها يخرج العبد عن ذي الرقية ورسم العبودية إذ مقتضى ذلك تعظيم المولى لا هتك حرمته، والهتك يوجب الدخول في زمرة في المتجرى.
وقد أفاد المحقق النائيني (ره) ردا على هذا الوجه بأنه مركب من أمرين. الأول: كون العلم تمام الموضوع في المستقلات العقلية خصوصا في باب الإطاعة والمعصية حيث إن الإرادة الواقعية لا اثر لها عند العقل ولا يمكن ان تكون محركة لعضلات العبد الا بالوجود العلمي والوصول. الثاني: كون المناط في استحقاق العقاب هو القبح الفاعلي ولا اثر للقبح الفعلي المجرد عن ذلك.
وكل منهما قابل للمنع، اما الأول: فلان العلم وان كان له دخل في المستقلات العقلية، الا ان العلم غير المصادف للواقع ليس علما بل هو جهل، واعتبار هذا العلم في موضوع هذا الحكم العقلي انما هو من جهة ان الإرادة الواقعية غير قابلة لتحريك إرادة الفاعل، بل المحرك هو انكشاف الإرادة، وفى المقام الإرادة الواقعية لم تصل إلى الفاعل، بل هو تخيل الإرادة فلا عبرة به في نظر العقل، وعلى الجملة ان الموجب للعقاب هو مخالفة تكليف المولى الواصل إلى العبد، وأين هذا مما لم يكن في الواقع تكليف، وكان من تخيل التكليف.
واما الامر الثاني: فلان مناط استحقاق العقاب عند العقل، وان كان هو القبح الفاعلي، الا ان له قسمين. أحدهما: ما يتولد من القبح الفعلي الذي يكون احرازه موجبا