ومن هذه الأخبار المتكاثرة كما عرفت يظهر قوة القول بالتحريم في المسألة السابقة، وهو الذي اخترناه وأشرنا سابقا إلى مجئ ما يدل عليه من الأخبار، وهي هذه الأخبار، مضافا إلى ظاهر الآية المتقدمة ثمة، لأنه لو كان تزويج الأمة جائزا - مع اختلال أحد الشرطين كما ذهب إليه من ذهب من أصحابنا - لما خرجت هذه الأخبار مع كثرتها على البطلان في بعض، والنهي في آخر، ولا يجوز في ثالث، وأن فاعله يستحق للأدب والجلد ثمن حد الزاني في رابع، ونحو ذلك.
وبالجملة فإن دلالة هذه الأخبار على القول المذكور أظهر من أن يعتريها القصور، بل هي في الظهور كالنور على الطور، والأصحاب لم يذكروا من هذه الروايات إلا حسنة الحلبي ورواية الحسن بن زياد.
وأجاب عنهما في المختلف بأن معنى أن العقد باطل يعني آئل إلى البطلان، بتقدير اعتراض الحرة وعدم رضاها، وهو بعيد غاية البعد، مع أنه لا ضرورة تلجئ إليه، إذ لا معارض للروايتين المذكورتين، ولهذا أنه قال في المختلف في آخر كلامه: إن القول بالبطلان غير بعيد من الصواب.
وأما القول الثاني: فقد أشرنا آنفا إلى أنه لا يخرج عن القياس بناء على حمله على الفضولي، مع أنه لا دليل على اعتبار رضاء الحرة في صحة العقد، فيصير قياسا مع الفارق، وكيف كان فالأخبار المذكورة واضحة في رده وإبطاله.
وأما الثالث: فاستدلوا عليه برواية سماعة (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل تزوج أمة على حرة فقال: إن شاءت الحرة أن تقيم مع الأمة أقامت، وإن شاءت ذهبت إلى أهلها ".
قال في المسالك بعد نقل الخبر دليلا للقول المذكور: وهو يدل على جواز فسخها عقد نفسها، ويسهل بعده القول بجواز فسخها عقد الأمة، لكن الخبر ضعيف السند. إنتهى.