أقول: وهذه المسألة لم يجر لها ذكر في كلام أصحابنا متقدميهم ومتأخريهم وإنما اشتهر الكلام فيها في أعصارنا هذه، من زمن الشيخ الحر العاملي، حيث اختار القول بما دل عليه ظاهر الخبر من التحريم. ونحوه جملة ممن تأخر عنه، وأنكره جملة منهم.
ولنا في المسألة رسالة، وعسى أن نحقق المسألة إن شاء الله في جملة مسائل هذا الكتاب في الموضع المناسب لذكرها، والله العالم.
الفائدة الرابعة عشر: اختلف الفقهاء في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل كان يجب عليه القسم بين نسائه، بمعنى أنه إذا بات عند واحدة منهن ليلة وجب عليه أن يبيت عند كل واحدة من الزوجات الباقيات كذلك أم لا يجب عليه ذلك؟ فقيل: بالأول، وأن الحكم بالنسبة إليه كغيره، لعموم الأدلة الدالة على وجوب القسم، ولأنه قد علم من سيرته صلى الله عليه وآله أنه كان يقسم بينهن حتى أنه في مرضه كان يطاف به عليهن، وكان يقول: هذا قسمي فيما أملك وأنت أعلم بما لا أملك، يعني قبله.
وقيل: بالثاني لقول تعالى (1) " ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ".
والتقريب فيها أن الارجاء بمعنى التأخير، وعدم الإيواء الذي هو بمعنى ضمهن إليه ومضاجعتهن فقد خيره بين إرجائهن وعدم ضمهن إليه ومضاجعتهن وبين إيوائهن وضمهن إليه ومضاجعتهن، وهو ظاهر في عدم وجوب القسمة عليه ولهذا نقل في كتاب مجمع البيان شيخنا أمين الاسلام الطبرسي أنه قيل: لما نزلت آية التخيير أشفق أن يطلقهن، فقلن: يا نبي الله اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت، ودعنا على حالنا، فنزلت الآية، وكان ممن أرجى: سودة وصفية وجويرية وميمونة وأم حبيبة، فكان يعتزلهن ما شاء، وكان ممن آوي إليه عائشة