فربما يتوهم نحو منافاة بينهما، على ما استظهرناه من رواية الكاهلي: بأن «النفع» لا يصدق إلا مع زيادة عن ثمن المثل، بمقدار يقال معه عرفا: «إن في الدخول على الأيتام منفعة لهم».
بل ربما يتوهم: أن روايات الاختلاط شاهدة على أن المراد بالمصلح عدم المفسد (1)، فتحمل رواية الكاهلي على ذلك، فتصير النتيجة كفاية أداء مقدار ما أتلف من مال الأيتام في جواز الدخول، وهو المراد من المنفعة.
لكنه زعم غير وجيه; لما عرفت: من أن في كون الأيتام في منازل من يكفلهم مختلطين بهم غير ممتازين في المأكل والمشرب عنهم وعن أطفأ لهم - بحيث لا يمسوا ألم اليتم - مصلحة بل مصالح كثيرة، ربما ترجح على المصالح المادية، بل ربما تورث في المستقبل تأهلهم لجلب المنافع المادية أيضا (2).
فإجازة الاختلاط والأكل على مأدبة واحدة كالإخوان وكالآباء والأولاد، إجازة لأمر ذي مصلحة ومنفعة، فلا تنافي بينها وبين رواية الكاهلي لدى التأمل.
ثم إنه على ما ذكرناه من قوله تعالى: (ولا تقربوا مال اليتيم... (3)) (4) إلي آخره - من عدم كونه في مقام بيان حكم المستثنى، وأن الإجمال في ال (أحسن) يوجب الإجمال في المستثنى منه، فلا يكون حجة إلا في الحرمة بغير مصلحة - لا تنافي بينه وبين روايتي ابن رئاب والكاهلي، سواء أريد بالآية الكريمة التصرفات الاعتبارية، أو الخارجية، أو كلاهما، كما هو واضح.