فإن هذا الكلام يمثل إخبارا غيبيا عن ضمير يونس، وعن خلجات قلبه، كما أنه يمثل إدانة خطيرة له، فلماذا يسيء الظن ولا يحسنه بهذا النبي الفاني في الله، والباذل نفسه، وكل حياته ووجوده في سبيله؟! أم أن الله أطلعه على قلب نبيه بعد آلاف السنين، فانبرى ليخبرنا بهواجسه واهتماماته، وبنجواه، وخلجات قلبه، وما فيه إدانة بل إهانة له؟!
إننا نعتقد أن جميع الأنبياء لا يفكرون بمصالحهم كأشخاص، وإنما يفكرون في مستقبل الرسالة، ويخططون له، ويتحملون مسؤولياتهم في ذلك.
3 - أضف إلى ذلك: أن هذا البعض قد جزم بأن يونس (عليه السلام) قد خرج من دون أن يستأذن الله في ذلك، أو ينتظر ما يحدث لقومه، ولا ندري من أين، وكيف جاز له الجزم بهذا الخبر التاريخي وهو الذي لا يقبل بخبر الواحد، بل يشترط التواتر أو كل ما يفيد الجزم واليقين بالأخبار التاريخية سواء من حيث السند أو من حيث الدلالة..
كما أننا قد قلنا فيما ذكرناه سابقا من قصة يونس (ع): إن قومه هم الذين كانوا يرونه آبقا منهم وإننا لننزه ساحته وهو النبي المعصوم عن أن يعمل عملا من تلقاء نفسه، ومن دون أن يتحقق من رضا الله سبحانه وتعالى فيه، فإن ذلك مما ينافي انقياده لله سبحانه، ويخل بأهليته لمقام النبوة والرسالة..
4 - إننا نعتقد: أن الأنبياء لا يقومون بتجارب في حقل الدعوة إلى الله سبحانه، لأن هذا التعبير (تجربة - تجارب) له إيحاءات سيئة - وهو يؤمن بالإيحاءات، وكتابه موضوع على أساسها - لا مجال للالتزام بها، من حيث إنه يختزن أن من يمارس التجربة لا يملك المعرفة التامة بجدوى ودقة ما يقوم به.. كما أنه يختزن معنى الخطأ في إصابة الواقع..
إن الأنبياء لا يقومون بتجارب، وإنما يعملون بوظيفتهم الشرعية التي لا يشكون في أنها المعالجة الصحيحة والدقيقة.. غير أن حالة استكبار قومه - كما هو الحال في استكبار إبليس - وجحودهم، هو الذي يمنع من أن يؤثر هذا البلسم الشافي أثره.
5 - وقول هذا البعض: