يخطر بالبال حين سماع هذا التعبير، قبل التأمل والتعمق في فهم المراد..
4 - إنه لو كان سبحانه هو الذي ابتلى يونس (ع) بالتقام الحوت ليؤدبه بذلك على ما فرط منه، وعلى إباقه منه، فان المناسب أن يقول فرفعنا عنه العقوبة، لا أن يعبر بكلمة أنجيناه من الغم فان ذلك يشير إلى أن الله سبحانه قد نجاه من بلاء ناله من غير جهة الله سبحانه.
5 - إن قوله تعالى: (وكذلك ننجي المؤمنين) كأنه تعليل لإنجائه تعالى ليونس (ع)، مشيرا بذلك إلى أن إيمان يونس (ع) هو السبب في هذا التدخل الإلهي، وهذا ما لا يتناسب مع ما يقوله هذا البعض من إباق يونس عليه السلام كإباق العبد من سيده، وهروبه من مسؤولياته..
إذ لو كان الهروب من المسؤولية، لكان الأنسب سوق الحديث باتجاه تأكيد التوبة والاستغفار، لأنه هروب يحتاج إلى ندم وتضرع وتوبة، ثم قبول إلهي لها، فيقول مثلا، وكذلك نرحم التائبين، ونحسن إليهم ونتوب عليهم، بدل أن يقول وكذلك ننجي المؤمنين، الظاهر في أن انجائه له، إنما كان جائزة ومكافأة له على إيمانه..
6 - أما آيات سورة القلم، التي تقدمت في أوائل هذه الوقفة، فإنما يراد بها أن يتذرع الرسول الأكرم (ص) بالصبر، لينال بذلك مقاما عظيما يفوق مقام يونس عليه السلام.
فان دعاء يونس (ع) وهو مكظوم أي مختنق بغيظه، لم يحط من مقام يونس، ولولا أن تداركته نعمة من الله لنبذ من قبل غير الله سبحانه - تماما كما هي سنة الله في هذه المواقع - بالعراء على أقبح صورة ممكنة ولناله أعظم السوء، ولكنه لو تحمل المزيد لحصل على مقام أسمى مما هو فيه..
فالله يريد لنبيه أن يتسامى في مدارج القرب ليصل إلى أبعد منازل الكرامة الإلهية، ولا يريد له أن يقف عند هذا الحد، ويرضى بما ناله، وبما وصل إليه، كما كان الحال بالنسبة إلى يونس (ع)، فالتشبيه إنما هو في هذه الناحية.
فالآيات إذن ما هي إلا إرشاد من الله للرسول إلى هذه الخصوصية، التي لا يستلزم تركها تنزلا عن المقام الذي هو فيه، غير أن فعلها له آثاره الكبيرة في نيل أسمى درجات القرب والكرامة.