مع عاطفته، أو نحو ذلك ينافي الحكمة التي آتاه الله إياها، لأنها وضع الشيء في موضعه، كما أنه ينافي القضاء العادل بالحق الذي أعطاه الله إياه أيضا..
2 - إنه يلاحظ: أن أحد الخصمين قد طرح سؤالا لا يتضمن ادعاء ملكية، ولا يتضمن شيئا خلاف الشرع، حيث ادعى أن أخاه صاحب التسعة والتسعين نعجة قد طلب منه أن يجعلها تحت تكفله، وألح عليه في ذلك، ولم يدع أنه اغتصبها منه، أو أنه ادعى ملكيتها، أو أي شيء آخر، ومجرد طلب تكفل شيء للاستفادة من منافعه ليس حراما..
3 - إن قول داود عليه السلام: (لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه)، لا يدل على أنه كان في مقام إصدار حكم. إذ يمكن أن يكون ذلك مجرد إخبار له بالواقع الذي عرفه داود (ع) عن طريق الوحي أو عن أي طريق آخر..
4 - وأما قوله تعالى: (فظن داود أنما فتناه) فيراد به - والله أعلم -: أنه ظن أن الله سبحانه قد أرسل إليه من يسأله هذا السؤال، وقد أراد سبحانه امتحانه بذلك، كما انه قد ظن أن مبادرته إلى إخبار السائل بما علمه لم تكن هي المطلوب، بل لعل المطلوب هو رسم الحكم بطريقة محاكمة قضائية.
وهكذا يتضح أنه لا يصح قول هذا البعض إن داود لم يستطع النجاح في هذه الفتنة فأخطأ.
5 - وربما يكون المتخاصمان قد تخيلا أن ما قاله داود (ع) قد كان حكما قضائيا منه، من موقع كونه حاكما وقاضيا، لا إخبارا عن معرفة حصلت له من موقع كونه نبيا، لا سيما وأنهما قد طلبا منه أن يحكم بينهما، فأخبرهما بالواقع، ولم يستجب لطلبهما بإصدار الحكم.. ولعل هذا هو السبب في عدم اعتراض صاحب النعاج التسعة والتسعين، وعدم دفاعه عن نفسه، ولم يذكر داود (ع) بأن له الحق بذلك.
والنتيجة لما تقدم هي:
أ - إن من الطبيعي أن يفكر داود (ع) بأن هذه القضية قد تكون امتحانا له، فطلب من الله سبحانه أن يستر له ما قد يراه الناس تقصيرا، وهو ليس كذلك في الواقع، وأن يعود عليه بالرحمات والألطاف، فكان له ما أراد.