قال المجلسي:
(إن الله تعالى كما أنه يميت متفرقا، إما لمصلحتهم، أو لمصلحة آبائهم، أو لمصلحة النظام الكلي، كذلك قد يقدر موتهم جميعا في وقت واحد لبعض تلك المصالح.
وليس ذلك على جهة الغضب عليهم، بل رحمة لهم، لعلمه تعالى بأنهم يصيرون بعد بلوغهم كفارا، أو يعوضهم في الآخرة، ويميتهم لردع سائر الخلق عن الاجتراء على مساخط الله، أو غير ذلك.
مع أنه ليس يجب على الله تعالى إبقاء الخلق أبدا، فكل مصلحة تقتضي موتهم في كبرهم، يمكن جريانها في موتهم عند صغرهم، والله تعالى يعلم) (1).
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): (إن الله أوحى إلى يونس حين دعا على قومه: إن فيهم الحمل، والجنين، والطفل، والشيخ الكبير، والمرأة الضعيفة، والمستضعف المهين، وأنا الحكم العدل سبقت رحمتي غضبي، لا أعذب الصغار بذنوب الكبار من قومك، وهم يا يونس عبادي، وخلقي، وبريتي، في بلادي، وفي عيلتي، أحب أن أتأناهم، وأرفق بهم، وأنتظر توبتهم.. الخ) (2).
وهذه الرواية وإن كان فيها مواضع مشكلة، ولكن هذه الفقرة فقط هي موضع الحاجة، وليس في الأخذ بها محذور.. لأنها آتية وفق القواعد والأصول العامة العقلية وغيرها، كما أنها مؤيدة بسائر الروايات الآنفة الذكر.
وقد رأينا:
أن العذاب لم ينزل على قوم يونس حتى خرج عليه السلام من بينهم مغاضبا لهم، فرأوه قد دنا منهم، ثم رفع عنهم بسبب توبتهم.
وأخيرا، فقد قال الله تعالى مخاطبا نبيه الكريم (وما كان الله ليعذبهم (أي أهل مكة (وأنت فيهم (. قال ابن عباس: إن الله لم يعذب قومه حتى أخرجوه منها، (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون (، أي وفيهم بقية المؤمنين بعد خروجك من مكة.
وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما خرج من مكة بقيت فيها بقية المؤمنين لم يهاجروا لعذر، وكانوا على عزم الهجرة، فرفع الله العذاب عن مشركي مكة لحرمة استغفارهم، فلما خرجوا أذن الله في فتح مكة.