أو تختزن في مضمونها ادعاء القدرات الغيبية، أو العمق الإلهي الذي يمكنه من تحقيق ذلك.. لقد كان النبي يعلن دائما أنه بشر يحمل الرسالة، مما يعني اقتصار العلاقة الإلهية المميزة بشخصه، التي يختلف بها عن بقية الناس، على الوحي الذي ينزله الله عليه ليبلغه للناس كرسالة إلهية، بعيدا عن كل شيء آخر لأن ذلك هو دور النبي في الحياة، فليس دوره أن يغير صورة العالم في صفته التكوينية، بل كل دوره أن يغيره في صفته الفكرية والعملية، في حركة الحياة والإنسان.. حتى المعجزة، فيما كان يقوم به الأنبياء من معاجز لم تكن غاية في الرسالة، بل كانت وسيلة لمواجهة التحدي الكبير حولها (1).
ويقول أيضا:
" ما هي شخصية الرسول؟ وما هي قدراته..؟ هل هو إنسان غيبي في شخصه، وفي إمكاناته.. هل من المفروض في الرسول الذي يرتبط بالله من خلال الوحي، أن يكون - في طبيعته - شخصا غير عادي، كما هو الوحي شيء غير عادي في طبيعته.. أو هو إنسان مثل بقية الناس في شخصيته، وفي قدرته، فلا يملك أن يغير شيئا من سنن الكون التي أودعها الله في الحياة، ولا يستطيع أن يكتشف الغيب بخصائصه الذاتية هذه أسئلة كانت تدور في وعي الإنسان الذي عاصر الرسالات؟ عندما كان يطلب من الرسول تفجير الينابيع من الأرض القاحلة، والصعود إلى السماء، والإتيان بكتاب غير عادي منها.. وهذه أفكار لا تزال تعيش في وعي الإنسان المتأخر عن عصر الرسالات، في اعتقاده بالنبي، كشخصية غيبية في قدراتها، حتى اعتبرها البعض ذات ولاية تكوينية على الحياة، وعلى الناس فيما جعلها الله له من ولاية، كما أن الكثيرين يعتقدون، بأنه يعلم الغيب، إذا أراد من غير حدود.. إلى غير ذلك من الاعتقادات التي أبعدت النبي في تحديد شخصيتهم عن مستوى شخصية الإنسان في طبيعته وقدرته.
إن الآية - التي أمامنا تحدد لنا المسألة، كغيرها من الآيات المماثلة، من دون فرق بين أن تكون جوابا عن الفكرة التي تتطلب في النبي، شخصية الملك وبين أن تكون جوابا عن الفكرة التي تتطلب فيه شخصية القادر على التغيير التكويني للواقع.. " (2).
ويقول في تفسير قوله تعالى: