على حجيته، ولم يصر موردا للقبح والمذمة أصلا، ولم يقبحه أحد، فمن أين لو تركت مظنونك تصير للقبح موردا؟!
بل نقول: هذا كيف قبيح عقلي وقد أمر الشارع الحكيم بارتكابه في موارد عديدة؟! منها الظن الحاصل من القياس، فأمر بتركه، ومنع عن العمل بالراجح.
وتصدى بعض الطلبة في ذلك المقام لرد كلامي هذا بعدما رآه كلاما عجيبا، قال: نمنع حصول الظن من القياس ونحوه بكون مقتضاه حكم الله بالنسبة إلى من دل الدليل القطعي على حرمة عمله به، وان كان الحكم الواقعي مظنونا بواسطته، فمثل القياس والأدلة المانعة من العمل به، كمثل قول الطبيب العالم الرؤوف العادل، إذا قال: إن المقدار الكذائي من هذا السم مقتض لهلاك شاربه، مع قوله لشخص: اشربه، فكما أن من قوله الأول يحصل الظن بهلاك هذا المأمور بشربه، ومن قوله الثاني يرتفع ذلك الظن، ويكشف أمره بالشرب بضميمة عدم إرادة إهلاكه عن كون مزاجه غير سائر الأمزجة، أو إخباره برفع أذيته عنه، لقدرته على ذلك، فكذلك القياس، والأدلة المانعة 1 أقول أولا: إنه إن كان غرضك أن من القياس - مع قطع النظر عن منع الشارع - لا يحصل الظن بحكم الله، فأي ضرورة في ذلك الطول والتفصيل؟ بل يكفيه أن يقول: لم يكن يحصل الظن من القياس أبدا، وظاهر أن ذلك مما لا يقول به أحد، وحصول الظن بالواقع من كثير من أفراد القياس بديهي.
وإن كان غرضه أن مع ملاحظة منع الشارع لا يحصل الظن منه، فلا مضايقة فيه، ولكنا لم نقل: لم لا تعمل بالقياس، حتى تجيب بذلك، بل قلنا: إنه لو كان ترك المظنون قبيحا، لم أمر الشارع به في القياس، ومنع عن العمل بالراجح؟ و كلامنا على منع الشارع لا على عدم علمك.