وعلى هذا، فلو كان لأحد متاع، قيمته عشرون دينارا، فباعه أو باعه غيره بخمسة عشر دينارا فقد أضره. ولو باعه بخمسة وعشرين، فقد أوصل إليه النفع. ولو باعه بعشرين، لم يضره ولم ينفعه، إلا إذا أراد المالك بيعه، فباعه الغير بهذا المبلغ بلا أجرة، فإن نفس ذلك البيع منفعة حاصلة للمالك من الغير.
ولو منعه مانع عن بيع متاعه، فهو ليس إضرار، بل منع عن نفع.
وكذا لو كان له ملك ليس له نفع كقناة بائرة، وأراد إصلاحها، ومنعه مانع، فإنه مانع عن تحصيل النفع، لا أنه أضر به. بخلاف ما لو كان له قناة دائرة، فأرسل إليها ماءا، وخربت لأجله، فإنه ضرر. وكذا لو منعه عن تنقية بئر منها حتى خربت سائر الآبار.
ولو صرف بعض ماله في سبيل الله بنية القربة، فهو غير ضار بنفسه، لأن ما بإزائه من درجات الآخرة أضعاف ما صرف من المال. بخلاف ما لو أعطاه فقيرا، لأجل الرياء وأمثاله، ولم ينفعه نفعا ودنيويا أيضا، فإنه قد أضر بنفسه. وهكذا.
البحث الثالث:
قال البدخشي في بيان نفى الضرر والضرار: الضرر والمضارة ممنوعا منه شرعا.
وتحقيق ذلك: أن النفي هاهنا بمعنى النهى، بقرينة أن أصل الضرر واقع (1). انتهى.
أقول: الحديث يحتمل معان ثلاثة: أحدها: ما ذكره من حمل النفي على النهي ويكون المراد: تحريم الضرر والضرار.
وثانيها: أن يكون النفي باقيا على حقيقته، ويكون المعنى: لا ضرر ولا ضرار مجوزا ومشروعا في دين الإسلام. والحاصل أن الله تعالى لم يجوز لعباده ولم يشرع لهم ضررا ولا ضرارا، ومآل ذلك أيضا إلى الأول، إذ