وأكثر تلك الاحتجاجات عنهم إنما وقع في مقام الرد على العامة العمياء.
ومن ذلك يظهر أيضا الوجه في احتجاج الفقهاء بانتفاء بعض الأحكام الجزئية بنفي العسر والحرج، ولا يلتفتون إليه في أحكام اخر أصعب منه وأشد.
البحث الخامس: وإذ عرفت ما ذكرنا لك في المقام، فاعلم: أن وظيفتك في الاحكام بالنسبة إلى أدلة نفي العسر والحرج، مثل وظيفتك في سائر العمومات.
فتعين أولا معنى العسر والحرج، وتحكم بانتفائهما في الاحكام عموما إلا ما ظهر له مخصص، وتتفحص عن مخصصات أدلة نفي الحرج والعسر، فان ظهر لها معارض أخص منها مطلقا، تخصصها به، وان كان أخص من وجه أو مساويا لها، فتعمل فيهما بالقواعد الترجيحية، ومع انتفاء الترجيح ترجع إلى ما هو المرجع عند اليأس عن التراجيح.
ثم وظيفتك في تعيين معنى العسر والحرج ما هو وظيفتك في تعيين معاني سائر الألفاظ.
فبعد ما عرفت في اللغة والعرف، ومن التفاسير الواردة في الأحاديث، أن العسر: هو الصعب الشاق، والحرج: هو الضيق، فترجع في تعيينهما، إلى العرف والعادة، فكل ما يعد في العادة شاقا وصعبا، أو ضيقا، يكون عسرا أو حرجا، وما لم يحصل لك فيه القطع بدخوله تحتهما، تعمل فيه بمقتضى الأصل، لا أصالة عدم كونه عسرا أو حرجا، إذ لا أصل، بل أصالة عدم خروجه عن تحت العام التكليفي، الذي يدل على ورود التكليف عليه.
ويلزم في تعيين معناهما ملاحظة الأوقات والحالات، فإنه قد يكون شئ مشقة في وقت أو حال، بل بالنسبة إلى شخص دون اخر.
واللازم فيه أن يعد في العرف مشقة وعسرا إن كان الفعل صعبا على فاعله عند أكثر الناس وان لم يكن صعبا على الأكثر من جهة اختلاف حال