وإليهما معا أشار عليه السلام في رواية سليمان بن صالح، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أدنى ما يجئ من حد الإسراف، قال: (ابتذالك ثوب صونك و إهراقك فضل إنائك، وأكلك التمر ورميك النواة هاهنا وهاهنا) (1).
وبمعناها مرسلة الفقيه عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام (2)، ورواية أخرى لإسحاق (3).
وإلى الثالث أشار عليه السلام في الأخبار المتقدمة (4) الناهية عن إنفاق ما في اليد في سبيل الله، والجاعلة لإرخاء القبضة والتصدق بالكفين إسرافا; لأن فيه تجاوزا عن القدر المحتاج إليه في عدم رد السائل، وامتثال أمر الإتيان بالحق يوم الحصاد.
وأشار إليه أيضا في ذيل مرسلة إسحاق بن عبد العزيز عن أبي عبد الله عليه السلام، قلت: فما الإقتار؟ فقال: (أكل الخبز والملح وأنت تقدر على غيره)، قلت: فما القصد؟ قال: (الخبز واللحم واللبن والسمن، مرة هذا ومرة هذا) (5)، فإنه قيد بالمرة والمرة ليخرج عن الزائد عن القدر المحتاج إليه في الإدام، الموجب للدخول في الإسراف.
وظهر مما ذكر: أن الإسراف هو تضييع المال، أو صرفه فيما لا يليق بحاله، أو فيما لا يحتاج إليه.
أما التضييع فمصداقه واضح، وهو إتلافه، كإهراق الماء، وطرح النواة، و إهراق اللبن والدبس، ونحو ذلك مما لا يعد خرجا وصرفا للمال أيضا; بل يقال:
إنه جعله بلا مصرف، أو صرفه على وجه لا تترتب عليه فائدة أصلا، لا دينية ولا دنيوية.