فان قلت: لا يحصل منها الظن.
قلنا: كيف يحصل لك في غير ذلك الموضع - من إجماع منقول واحد، أو شهرة، أو آية واحدة، أو خبر واحد، أقول من يقول: التأسيس أولى من التأكيد - الظن، وتحكم بمقتضاه، ولا يحصل من جميع هذه الآيات والاخبار والاجماعات المنقولة والشهرة العظيمة، مع عدم مانع لها؟ إن هذا لشئ عجاب!!
فان قيل: المانع منها موجود، وهو دليل حجية كل ظن قلنا: أنت اعترفت بان الثابت منه حجية ظن لم يكن دليل ظني أيضا على المنع منه، وهي أدلة ظنية على المنع، فلا تعارض بينها وبين ذلك الدليل الا ترى أنه لا يعارض قوله عليه السلام: (كل شئ طاهر حتى تعلم أنه قذر) مع دليل نجاسة شئ مطلقا، ولو قال: (كل شئ طاهر) كان يعارض مع كل دليل نجاسة، فلو كان مقتضى دليلك أن كل ظن حجة، كان معارضا، ولكنك قلت:
إن مقتضاه أن كل ظن حجة حتى يدل دليل علمي أو ظني على عدم حجيته.
فان قيل: الدليل القطعي على عدم حجية تلك الآيات، والاخبار، والاجماعات موجود، وهو أنه يلزم من حجيتها عدم حجيتها، لأنها أيضا لا تفيد أزيد من الظن.
قلنا أولا: إن الظاهر والمتبادر من أمثال ذلك الكلام إرادة غيره، ألا ترى أنه لو قال مولى لعبده: أن لا تعمل بشئ مما امرك به اليوم، يفهم منه كل أحد (إرادة) غير ذلك الكلام، وكذلك العبد، ولا يعمل بأمر اخر.
وثانيا: إنا سلمنا شمولها لأنفسها أيضا، ولكن نقول: إنه إذا كان هناك عام دل دليل قطعي على بطلان عمومه، تتركه بالمرة، أو تقتصر على ما أخرجه الدليل؟.
فان قلت: نتركه بالمرة، فأنت كاذب قطعا، لان العام المخصص حجة عندك، وإلا لم يكن لك حجة من كتاب أو سنة، إذ ما من عام إلا وقد خص وإن قلت: أقتصر على قدر أخرجه الدليل.