فنقول: لا شك أنه لو خصت تلك الآيات والاخبار بغير أنفسها، كانت صحيحة، ولا يلزم عليها نقض، ولو شملت أنفسها يلزم من جواز العمل بها عدمه، فالعمل بعمومها غير ممكن قطعا، ولكن أي مانع في العمل بها في غير أنفسها، وما الدليل القطعي أو الظني على بطلانها فيه؟ وذلك بين جدا.
ولما كان أصل ذلك الاعتراض مما ذكرته في كتبي المبسوطة، تصدى بعض الطلبة لذكر جواب له فقال:
إن مقتضى هذا الدليل - أي دليل الانسداد -: حجية الظن الذي لم يقم على عدم حجيته دليل قطعي، ولا ظني قائم مقامه، ولا ظني أقوى منه أو مساو له من حيث الاندراج تحت هذا الدليل، لا من حيث قوة الظن، فان مقتضى الدليل ذلك، لان بطلان الترجيح بلا مرجح من مقدماته، ومقتضاه تساوي الظنون - في نظرنا - من حيث تجويز الشارع العمل بها، والمنع منها، ولو كان ظن مانعا عن ظن، فلو علم المنع من الشارع في خصوص ظن، أو ظن ذلك بظن قائم مقام العلم، فلا ريب في عدم التساوي، ولو ظن بظن غير مخصوص، أي غير قائم مقام العلم بدليل مخصوص، فكذلك، لحصول التعارض والحاصل: أن دليل حجية الظن خاص بالظن الذي لم يقم على عدم حجيته دليل علمي أو ظني مخصوص، أو مندرج تحت دليل حجية الظن، والآيات والأخبار الدالة على عدم حجية مطلق الظن غير مفيدة للعلم، وليست ظنونا مخصوصة ثابتة حجيتها بخصوصها بالقياس إلى حرمة العمل في زمان الانسداد على القول بخصوصيتها، فضلا على القول بعدم المخصوصية مطلقا، وليس دليل الانسداد أيضا مقتضيا لحجيتها بالنسبة إلى الظن بالأحكام الشرعية، لعدم شمول المقدمات لها.
أقول: محصلة أنا نختار حجية كل ظن لم يكن على المنع من العمل به حجة قطعية، أو ظنية ثابتة الحجية بالخصوص، أو بدليل الانسداد، وشئ من الآيات والأخبار الناهية عن العمل بالظن لا يفيد القطع، وليس ثابت الحجية