والحاصل: أن الظن لو كان هو الحجة في الأحكام، لوجب أن يوجد في كلام الحجج من الأمر بالأخذ به عين أو أثر.
فإن قيل: لا شك في أن كل مجتهد مكلف بمقتضى عقله، فإذا أداه الدليل العقلي إلى حجية كل ظن، يكون مكلفا بالعمل به قطعا.
قلنا: ليس مرادنا نفي حجية العقل، بل المراد نفي حكمه بذلك - بعد ملاحظة ما ذكرناه - ضرورة.
وأما الجواب عن قول الخصم هنا بأنه: فما الذي بينه لنا وأودعه عندنا، فهو: أنه كتاب الله سبحانه، والأخبار المدونة والروايات المنسوبة إليهم.
فإن قيل: لو كانا حجتين، لوجب عليهم بيان ذلك، ونصب دليل عليه.
قلنا: أما كتاب الله فلا تحتاج حجيته وبيان ذلك إلى دليل، ولو كان هو محتاجا إلى دليل، لكان قول المعصوم أيضا كذلك، فإن قول الله سبحانه حجة.
وأما الأخبار: فيكفي في بيان حجيتها وصولها إلينا منهم خلفا عن سلف، ويدا عن يد من الامناء الفضلاء الثقات، الذين هم متكفلي أيتام الأئمة، وحججهم على الرعية، وهذا دليل واضح ومنار لائح على أنهم جعلوها أدلة لنا، ومسالك لأجلنا.
وثانيا: إنك هل تزعم أنهم مما بينوا وجوب اتباعها لنا، ولزوم الأخذ بها؟ فما هذه الروايات المتواترة معنى، المملوءة منها كتب أصحابنا، الدالة على الحث على الرواية، وحفظها ونشرها، والآمرة بأخذها، والناهية عن ردها، والمادحة للعاملين بها ولرواتها، والمتضمنة لعلاج التعارض فيها؟
وما هذا التطابق من العلماء الأقدمين، والفضلاء اللاحقين في التمسك بها، والأخذ بمضامينها، وضبط معانيها، وفقد رجالها، ووضع علم الدراية للعلم بأوصافها، وعلم الرجال لمعرفة رواتها، والإجازة التي لا يخلو عالم منها، مع توفر الدواعي على كتمانها، واشتداد التقية في نشرها، والعمل بها، سيما في العصر الأول، والصدر الأقدم؟