والملخص: أن معنى نهي الشارع عن العمل بالظن القياسي: أن لا تأخذ بالراجح عندك من هذه الجهة، واتركه وخذ بمرجوحه، فان كان عدم الاخذ بالراجح قبيحا عقليا، فكيف أمر الشارع بمثله في بدو الأمر؟!
وثانيا: نقول: إن المثال الذي ذكره موجب للضحك لأهل الفطانة، وذلك لأنا نفهم من ملاحظة القولين المذكورين من الطبيب المذكور: أن قوله الأول لم يكن عاما، ولم يكن السم مهلكا لكل شارب، فان كنت تفهم من ملاحظة الأدلة المانعة عن العمل بالقياس أن أخذ كل راجح عند المكلف ليس بواجب، وترك كل مرجوح ليس بلازم، وعكسهما ليس بقبيح.
بل إن كان له عموم يجوز تخصيصه، فهذا قبح عقلي عجيب، ووجوب عقلي غريب، يقبل التخصيص، والقبيح العقلي الكذائي من أعجب العجائب.
فان قلت: الراجح الذي يصاحبه المنع من الاخذ لا يؤخذ.
قلنا: قد ذكرنا أن كلامنا ليس في عملك، بل في المنع عن الاخذ، حيث إن للشارع أن يخصص العام، وليس له مخالفة حكم العقل.
وثالثا: إنك قلت: حكم الله الواقعي مظنون من جهة القياس، فهل يحصل من ظن الشهرة أو الاجماع المنقول مثلا غير الظن بالحكم الواقعي، فما الباعث على قبح ترك ذلك ووجوب ترك هذا؟
فان قلت: لأجل أمر الشارع بالترك قلنا: إن لم يكن أمره، فهل كان تركه قبيحا أم لا؟
فان قلت: لا، فأبطلت دعواك.
وإن قلت: نعم، قلنا: فأمر الشارع بالقبيح إذ قبل أمره كان ذلك الترك قبيحا، وأمر الشارع به، وإن صح ذلك، فأنه يجري في جميع القبائح العقلية من الكذب، والظلم، والتكليف بما لا يطاق وغيرها، فكل ما كان من ظواهر الشرع مطابقا لواحد منها يجب إبقاؤه على حاله، ويقال: لولا قول الشارع لكان