وأما ما ذكره من مخالفته لما يجب على الله سبحانه من اللطف، فبعد إغماض النظر عن مطالبته بمعنى اللطف والمراد منه، وأنه هل هو ما كان لطفا عندنا، أو في الواقع وان لم ندرك وجه لطفه، أو نظن عدم كونه لطفا، وعن أن الواجب عليه هل هو اللطف في الجملة، أو كل لطف؟
نقول: إنه قد يترتب على أمر صعب وضيق، سهولة وسعة كثيرة دائمية أعلى وأرفع من هذا الصعب، ومقتضى اللطف حينئذ: التكليف بالصعب الأدنى للوصول إلى السعة الاعلى، كما أن الأب الرؤوف يضيق على ولده بحبسه في المكتب ومنعه عن الأغذية المرغوبة له لراحته عند الكبر، بل يحتجمه ويقطع أعضاءه لدفع الأمراض.
وأما إيجاب ذلك كثرة المخالفة، فهو غير مناف للطف، فإنه نقص من جانب المكلف. ولو أوجب ذلك عدم التكليف، لزم أن يكون مقتضى اللطف عدم التكليف، لايجابه المخالفة، ولا فرق فيها بين الكثرة والقلة، مع أنا نرى كثرة المخالفة بحيث تجاوزت عن الحد، ولم يوجبها إلا أصل التكليف.
وأما قوله سبحانه: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) 1 فالمراد بالوسع:
الطاقة كما عرفت، مع أنه لو أريد منه مقابل الضيق، فهو أيضا كواحد من العمومات الصالحة للتخصيص.
البحث السابع: قال السيد السند المذكور - قدس الله نفسه الزكية - بعد ما ذكر انتفاء التكليف بما فوق الطاقة في جميع الأديان، وثبوته بالسعة في الجميع:
أما التكليف بقدر الطاقة - والمراد به ما فوق السعة ما لم يصل إلى الامتناع العقلي أو العادي - فلم يقع التكليف به في شرعنا، لقوله تعالى: (ما جعل عليكم في