وأيضا هذا الاطلاق إنما هو عند عوام العجم، الذي لا عبرة بهم في أمثال المقام، بل المعتبر ترجمته بالعجمية عندهم، لا نفس اللفظ العربي.
ثم إن فساد العقل بجميع فنونه يترتب عليه رفع قلم التكليف الشرعي البدني والمالي، وعدم صحة الأقارير والعقود والايقاعات بالاجماع، والضرورة، والكتاب، والسنة; فإن هذه الأمور متعلقة بالعقلاء، والفاسد من الشئ ليس ذلك الشئ، ففاسد العقل ليس بعاقل.
وقد ورد في الأخبار المستفيضة الصحيحة: (أن الله سبحانه لما خلق العقل قال له: إياك آمر، وإياك أنهى، وإياك أعاقب، وإياك أثيب، وبك آخذ، وبك أعطي)) (1).
والمناط في معرفته صدق المجنون عرفا، وهو إنما يكون إذا لم يكن الفساد قليلا جدا بحيث لا يظهر لأهل العرف ولا يلتفتون إليه، فإذا كان بحيث يظهر لأهل العرف، يطلق عليه المجنون وتجري عليه أحكامه.
وإن شك في فرد منه هل هو مجنون عرفا أم لا؟ حيث يقع التشكيك كثيرا في المصاديق العرفية، يرجع إلى العمومات، مثل قوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت) * (2) و * (يا أيها الناس اعبدوا ربكم) * (3)، ونحو ذلك.
وليس ذلك من باب الاجمال في المخصص، إذ لا إجمال في ذلك، نعم قد يخفى على أهل العرف صدقه على فرد.
ويشترط في صدق المجنون كون أفعاله الرديئة ناشئة عن اختلال العقل، بأن لا يدرك قبحها، وقد تصدر من أحد أفعال رديئة ولكنه يدرك قبحها ويرتكبها; إما لأجل مصلحة، أو بدون اختيار لمرض، كمن يبكي طول ليله ونهاره ويعلم أنه مرض عرض له.