وبين لي أن أي فرق بين أن يدل خبر أو أخبار على أن الاستصحاب حجة في الأحكام الشرعية أو الأصل في مقام عدم الدليل، أو أن الخبر الموافق للعامة ليس حجة، أو تدل الآيات والاخبار على أن الظن في الأحكام الشرعية حجة، أم لا، أو يدل عمومها على أن الاخبار، أو الشهرة، أو الاجماع المنقول، ليس بحجة؟
بل أي فرق بين أن تدل اية أو خبر أو إجماع منقول على عدم جواز عمل المكلف بمثل الشهرة، أو الخبر، أو مطلق الظن في إثبات الاحكام، أو يدل على عدم جواز عمله به في إثبات حقوق الناس، وأحكام المرافعات، وأبواب الطهارات والنجاسات؟
وكيف يندرج بعضها تحت دليل الانسداد، ولا يندرج بعض اخر؟ وأي مقدمة من مقدمات دليل الانسداد يجري في أحدهما دون الاخر؟
ولا يخفى أن أصل ذلك الاعتراض لا يختص وروده على دليل الانسداد، بل يرد على كل دليل يقام على حجية مطلق الظن، بل أصله دليل محكم على عدم إمكان حجية مطلق الظن، كما لا يخفى على الفطن الخبير.
ثم نختم الكلام في هذا الدليل باعتراض اخر واضح السبيل، وهو أن من البديهيات أن بقاء التكاليف والاحكام موقوف على فتح باب العلم بها، أو ثبوت وجوب الاخذ بأمارة أو ظن: أي فتح باب ثبوت دليلها.
أي يجب إما أن يعلم نفس تلك الأحكام، أو يثبت لنا مأخذ ودليل لها، ولما فرض سد باب العلم، فبقاؤها موقوف على حجية دليل لنا، إذ من الضروريات أن التكليف بأحكام غير معلومة بنفسها، ولا ثبوت حجية دليل عليها تكليف بما لا يطاق، ولذا اتفقوا على سقوط الاحكام عمن لم يتمكن من تحصيلها، كمن وقع في بادية، أو في قرية في أقصى العالم.
وبالجملة: توقف ثبوت بقاء التكاليف بعد سد باب العلم على ثبوت حجية دليل عليها من بديهيات العقل، ولا شك أن ثبوت حجية الظن بهذا الدليل موقوف على ثبوت بقاء التكليف أيضا، إذ لولاه لما ثبت، وهذا دور واضح،