العلم بالأصلح، وهو الموجب لتأخير إيجاد ما أخر إيجاده وتقديم ما قدم. فقد يقتضي العلم بالأصلح تأخير ما أنت تعلمه لطفا، أو عدم إبرازه إلى ساحة الوجود، وظاهر أنك لا تقول: إني أيضا أعلم ما هو الأصلح في جميع الأعيان والأفعال كعلمه سبحانه! فإن اعترفت بأني لا أعلم، فما هذا الفضول الذي ترتكبه من أنه يجب عليه فعل ذلك في هذا الوقت أولا يجب؟.
غاية ما يجوز لك أن تقول: إن كان الواقع كما زعمته ولم يكن منه مانع، يجب عليه ذلك، وإلا فلا.
الوجه الثالث: أنه يقال إنه هل يمكن أن يتحقق لما نحن نزعمه لطفا أمر آخر ينوب منابه، أم لا؟
فإن قلت: نعم، قلنا: من أين علمت في كل مورد تريد إثبات شئ بقاعدة اللطف أنه لم ينب منابه غيره؟.
وإن قلت: لا، يكذبك الضرورة والإجماع القطعي، لأن الأحكام الواقعية كلها مطابقة لألطاف الله سبحانه بالنسبة إلى عباده، ونابت منابها الأحكام الظاهرية المختلفة بحسب أنظار المجتهدين.
الوجه الرابع: أنا نرى في الأشياء والأفعال ما نقطع بكونه لطفا، بل لا نرى فرقا بينه وبين سائر ما نقطع بلطفيته لتحققه، ومع ذلك لم يقع، كظهور الإمام وتصرفه، فإنا نقطع بكونه لطفا، ولا نرى فرقا بين ظهوره في هذه الأيام، ظاهر المقالة، منقذا من الضلالة، شاهر السيف، منصورا من الله سبحانه، وبين ظهوره بعد ذلك، بل لا نرى فرقا بين مجرد ظهوره وظهور الإمام الحادي عشر عليه السلام في زمانه. وكذا بعث النبي.
بل حصول بعض الأمور المردعة عن المعاصي، المرغبة إلى الطاعات، لكل مكلف، كبعض المنامات، أو استجابة بعض الدعوات ونحو ذلك، ومع ذلك لم يقع. وقد يقع لبعض لا نرى فرقا بينه وبين بعض ما لم يقع أصلا.
فإنا كيف ندرك أن إراءة البرهان - بأي معنى فسرت - لطف بالنسبة إلى يوسف