وإن شئت قلت: إنهما يوجبان التخفيف من الله سبحانه، يعني: أن العسر والمشقة يوجبان في الواقع أن يخفف الله سبحانه الحكم بحيث ينتفي عنه المشقة، كما هو المستفاد من قوله سبحانه: (لا يريد بكم العسر) 1 (وما جعل عليكم في الدين من حرج) 2 ومن رأفة الله سبحانه بالنسبة إلى عباده، ومن عدم الاحتياج له حتى يحمل عباده المشقة، بل كل ما يكلفهم فإنما هو لمصلحتهم.
ولازم ذلك: أن يكون التخفيف في كل مورد لم يستعقب المشقة مرتبة عظيمة يسهل معها تحمل تلك المشقة، وأما إذا كان كذلك، فمقتضى اللطف والرأفة: التحميل، ولهذا خصصت العمومات، ووقعت التكاليف الشاقة في الشريعة المقدسة.
وثانيهما: أنهما أوجبا وقوع التخفيفات السابقة من الشريعة المطهرة، و انتفاؤهما سبب للرخص الواردة في الملة الشريفة.
والذي يفيد للفقيه في الفروع ووظيفته التكلم فيه، هو إيجاب نفي العسر والمشقة للتخفيف بالاستعمال الأول، وأما الثاني: فلا يترتب عليه للفقيه كثير فائدة إذ بعد ثبوت الحكم من الله جل شانه، لا جدوى كثيرا في درك أنه للتخفيف ودفع المشقة.
وقد ذكر شيخنا الشهيد - قدس الله سره - في قواعده كثيرا من جزئيات قاعدة نفي المشقة وايجابه لليسر، ولكنه إنما ذكرها على الاستعمال الثاني، أعني: أنه ذكر أحكاما كثيرة ثابتة من الشرع، مناسبة لا ن يكون تشريعها للتخفيف والرحمة، وذكر أن بناء تلك الأحكام وشرعها إنما هو للتخفيف والرخصة.
وهذه وان لم يكن في ذكرها كثير فائدة، الا التكلم في فروعاتها التي هي من شان الكتب الفقهية. ولكنا نذكر ملخص ما ذكره تبركا بكلامه وتكثيرا للفائدة.