قلنا: لا يعاقبه ولا يؤجره، ولا تلزم منه إباحته، لان المسلم أن كل مباح لا عقاب عليه ولا ثواب له، لا أن كل ما لا عقاب عليه ولا ثواب له فهو مباح، فان ما لا حكم له أيضا كذلك فان سلطانا تسلط علينا الا يعاقبنا على أفعالنا السابقة على تسلطه علينا، ولا يؤاخذنا بها 1، وليس ذلك لأجل أنه جعلها مباحة لنا، بل لأجل عدم الحكم ولذا لا عقاب ولا ثواب على حركات الأطفال، والمجانين، والحيوانات العجم، وأهل زمان قبل البعثة، مع أنها لا توصف بالإباحة.
والتحقيق: أن كل فعل من كل أحد بالنسبة إلى كل حاكم ينقسم أولا إلى قسمين: إما لا حكم له فيه، أوله فيه حكم.
والثاني: ينقسم إلى الأحكام الخمسة، ويشارك الأول الإباحة في عدم استحقاق ثواب ولا عقاب عليه، لأنه كما هو شأن الإباحة، كذلك هو شأن عدم الحكم أيضا.
فان قلت: لاشك في أن الله سبحانه محيط بجميع الأمور، لا تجوز عليه الغفلة، ففي كل من الافعال إما يرضى لنا بفعله، أولا، وعلى الأول: إما يرضى بالترك، أولا، والأول مباح، والثاني واجب، وهكذا إلى اخر الاحكام قلنا: لا نسلم أن الأول مباح، والثاني واجب، إلى اخره وبيان ذلك بعد مقدمة: هي أن الأحكام الشرعية خمسة: الايجاب، وهو عبارة عن طلب الفعل حتما، والندب، وهو عبارة عن طلبه من غير حتم، والتحريم، وهو عبارة عن طلب الترك حتما، والكراهة، وهي عبارة عن طلب الترك لا على سبيل الحتم، والإباحة، وهي عبارة عن جعل الطرفين متساويين، أي الحكم بتساوي الطرفين.
ثم الوجوب والحرمة وأحوالهما اللازمة الانفعالية مترتبة على الايجاب