وذلك: كما أن امرأة زيد - مثلا - هي في العرف من ثبت أحقية بضعها لزيد وله وطؤها، ولكن لا يكفي العرف في ثبوت هذه الأحقية والجواز، بل لا بد من دليل عليه، فمعنى امرأة زيد، معنى عرفي أو لغوي، ولكن تحقق ذلك المعنى العرفي أو اللغوي يحتاج إلى دليل.
وكذلك وجوب شئ له معنى لغوي وعرفي غير محتاج في معرفة هذا المعنى إلى توقيف من الشرع، ولكن تحقق الوجوب بالنسبة إلى شخص محتاج إلى التوقيف، وكذلك غيره من الأحكام الشرعية والوضعية.
والحاصل: أن الملكية من الأحكام الوضعية التي لا يحكم بها إلا بعد ثبوت الوضع بدليل معتبر.
ومن هذا ظهر: أن الأصل في الأشياء عدم الملكية، وأن كون شئ ملكا و مالا مطلقا أو لأحد أمر مخالف للأصل، محتاج إلى الدليل المثبت له، لا بمعنى أن حدوث ملكية هذا لذلك الشخص بعد كونه ملكا لغيره أمر مخالف للأصل، فإنه وإن كان كذلك، بل كان مقطوعا به، بل ضروريا، ولكنه غير مقصود لنا هنا، بل هو ليس حدوث الملكية، بل هو حدوث انتقال الملك (1)، بل بمعنى أن حدوث ملكية هذا المال بعد عدم كونه ملكا، وثبوت اختصاصه بشخص بعد خلوه عن قيد الاختصاص مطلقا مخالف للأصل، مسبوق بالعدم، فالمراد:
أصالة عدم كونه ملكا. وهذا أيضا أمر ظاهر جدا لا خفاء فيه.
مع أنه لو قطع النظر عن ذلك، فنقول: المفيد في الفقهيات هو أن إثبات ملكية آحاد المكلفين، وإثبات الملكية لكل أحد أمر حادث مخالف للأصل.
وبالجملة: أصالة عدم الملكية بهذا المعنى أمر ظاهر، وعليه بناء الفقهاء، كما يظهر من مباحث: إحياء الموات والحيازة والاسترقاق وأمثالها، حيث لا يحكمون بتملك شئ من المباحات إلا بعد وجود دليل عليه.