بظن لا دليل قطعيا على المنع منه؟
فان قلت: لما أثبتنا حجية تلك الظنون، فإنها تكون أدلة قطعية.
قلنا: كان كلامنا أولا معك في ذلك أيضا، وكنت تقول: لما أثبتنا حجية الظن بالواقع، فلا نأخذ بهذا الظن، فلم صارت القضية بالعكس حينئذ؟ وأيضا أنت أثبت حجية الظن بالواقع قطعا، فلم تتركه؟ وأيضا أنت أثبت حجية كل ظن، فكيف تأخذ بدليل ظني ظن المنع منه؟
فان قلت: لو دل دليل ظني على المنع من العمل بظن، لا يبقى الظنان معا، بل يتعارضان، ويبقى الأقوى منهما قلنا: ذلك من غرائب الأقوال، فإنه لو شهد عندك ثلاثة عدول من العلماء الصلحاء بأن رأينا زيدا يزني بهند، وشاهدناه كالميل في المكحلة، فلا يحصل لك الظن بزناء زيد، من جهة أن الشارع نهى عن العمل بشهادة ثلاثة شهود في الزنا؟
ولو كان كذلك، فما معنى اللوث في القسامة؟ وكذا ما معنى ما يقوله الفقهاء في كثير من المواضع: إنه يشترط فيه العلم، ولا يعتبر الظن، فإنه يرتفع الظن؟
ويلزمك أنك إذا قلت باشتراط مضي العمر الطبيعي في الحكم بموت الغائب، لا يحصل لك الظن بموته أبدا، بل كنت أبدا إما عالما بحياته أو بموته. و إذا لاحظت آية النبأ لم يحصل لك الظن من خبر الفاسق أبدا، ومن لا يقول بحجية الشهرة لا يحصل له منها الظن، وفساد ذلك أظهر من الشمس وأبين من الأمس.
وإن كان المراد الاحتمال الثالث، أي حجية كل ظن لم يكن على المنع منه دليل مطلقا، لا قطعي ولا ظني، يلزم منه عدم حجية ظن لم يكن على حجيته بخصوصه دليل، إذ الآيات الكثيرة، والأخبار العديدة، والاجماعات المنقولة صريحة في عدم حجية الظن، كما ذكرناها في كتبنا المبسوطة، وهذه أدلة ظنية على عدم حجية كل ظن، خرج من تحتها ما خرج بالدليل العلمي، فيبقى الباقي.