فلا شك في كون باب العلم بها منسدا في زمان الغيبة، بل لأكثر الموجودين في زمان الحضور، المنتشرين في البلاد والقرى والبوادي، ولا شك في أنه لا دليل منقولا من الشارع على حجية الظن من حيث هو، ولا يدعيه القائل بها أيضا.
فنقول: أنصف أيها العاقل أنه إذا كانت الحجة التي تثبت بها التكاليف - معظمها للمكلفين - هو الظن من حيث هو، ويكون هو مرجع المسائل كلها، و وجب الأخذ به واتباعه في تمام زمان الغيبة الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وخلفاؤه، و عن طوله وامتداده، بل في زمان الحضور لغير قليل، وعلم النبي صلى الله عليه وآله وأوصياؤه أن عقول المكلفين في إدراك ذلك مختلفة غاية الاختلاف وأشده، بل يحكم الأكثر بعدم كونه المدرك، فهل لا ينبه عليه الرسول الرؤف، الذي ارسل من الرب الرحيم جل شأنه لتبليغ الأحكام إلى العباد، ولبيان مأخذها؟ ولا يبين طريق الوصول إلى أحكامه، بل يبين الأحكام لشرذمة قليلة هم المتمكنون من الوصول إلى خدمته، ولا يبين أن المأخذ والمتبع لغير تلك الشرذمة هو الظن، سيما مع أنه امتلأ الكتاب الذي أرسل إليه بالنهي عن اتباعه، والذم عليه، وتواترت الأخبار في ذلك، وكان الأصل أيضا عدم حجيته.
وهل يجوز لهم عدم بيان ذلك، والاتكال في فهمه وتخصيص العمومات الناهية على مجرد عقل طائفة قليلة، يوجد فيما بعد مضي أزيد من ألف سنة، مع تواتر ذمهم العامة على عملهم بالظن، مع انسداد باب العلم لهم أيضا على ما زعموا؟
ومع أن في أخبار كثيرة: أن السائل سأل عما يعمل به، فأمر بالأخذ بالكتاب والسنة، ثم سأل عما ليس فيه كتاب أو سنة، فأمر بالاحتياط أو التوقف أو التخيير (1)، ولم يأمر في واحد بالعمل بالظن، بل سئل في بعضها عن العمل