الملازمة أصلا، بل تراهم صرحوا بأن العذاب على ما لم يعلم قبيح، وإن قلت:
إنه من لوازم فهم الوجوب علما أو ظنا، نمنعه أيضا، وما لم يثبت حجية الظن لا يحكم عقل ولا شرع ولا عرف ولا عادة بترتب استحقاق العقاب على ترك واجب، بل الامر على العكس، والعقل والعادة يحكمان بلزوم عدم الاستحقاق ألا ترى أنه لو سألك الله عز شأنه في يوم القيامة: أنك لم ما امتثلت الامر الفلاني؟ واعتذرت أنت بقولك: إني ما كنت عالما بوجوبه، وكلما تفحصت لم أجد دليلا على وجوب متابعة ظني، لم يجز له أن يعاقبك فان قلت: أما ترى أنهم قالوا في التعريف باللازم: إن الواجب ما يستحق تاركه العقاب، ولم يقيدوه بقيد ظن، ولا علم.
قلنا أولا: إنه لم يعرف بذلك الا شرذمة قليلة، والآخرون أوردوا 1 عليه بأبحاث غير محصورة.
وثانيا: إنك إن ترى ذلك، فانظر إلى كلام اخر منهم، حيث يقولون: إن مؤاخذة جاهل الحكم الغير المقصر قبيحة، فيعلم أن مرادهم إنما هو ما يستحق تاركه مع العلم أو التقصير، والمؤاخذة في صورة التقصير أيضا إنما هي على التقصير خاصة وثالثا: إن كثيرا منهم صرحوا بأن معنى الواجب هو: ما طلب حتما، و يقولون: إن المطلوبية من شخص لا تتحقق إلا مع علمه، فالواجب على شخص يكن ما حصل له العلم بطلبه، ويكون العلم معتبرا في حقيقة الواجب، و يحتمل أن يكون نظر الشرذمة الأولى على ذلك أيضا.
ولو سلمنا جميع ذلك، نقول: غاية الامر حصول الظن باستحقاق الضرر، ولا شك أنه غير ظن الضرر، وأما ظن الضرر والعقاب فلأي وجه؟