فان قلت: إن لازم تعين حكم الامام عدم التخيير، فهو إجماع على حكم معين، هو عدم التخيير قلنا: لو كان كذلك يلزم تناقض حكم الامام بالتخيير عند تعارض الامارتين و اختلاف الحديثين، لأنه قال بأحدهما معينا، ولازمه الحكم بعدم التخيير، وهو يناقض التخيير، فيلزم بطلان التخيير مطلقا، إلا فيما كان الامام فيه مخيرا أيضا، وهو خلاف المجمع عليه وحله: أن لازم تعيين الحكم عند شخص عدم التخيير له لا مطلقا، فلازم تعين الحكم عند الامام عدم تخييره، لا عدم تخيير من لم يتعين له الحكم.
ويقال لابطال الرابع، وهو التوقف: إنه إما أن يكون في العمل أو في الافتاء.
أما الأول: فلا معنى له من حيث هو، لعدم خلو المكلف من حيث الفعل أو الترك، ولا ريب في بطلانه من حيث إنه مقرر من الشارع، لان كل مكلف لابد له من بناء عمله في كل واقعة على حكم وأما الثاني: فلا مفر منه في الافتاء بالحكم العلمي الواقعي، ولا شك في بطلانه في الحكم الظني الواقعي والعلمي الظاهري، لان مرجعه إلى نفي وجوب الافتاء، وهو باطل، لاستلزامه الهرج والمرج، ومخالف للاجماع، و لذا قيل بوجوبه عينا عند الانحصار، وكفاية عند التعدد.
فان قلت: توقف الأصحاب في كثير من المسائل قلنا: توقفهم إنما هو في الحكم الواقعي، بمعنى عدم العلم به أو الظن، والعمل والافتاء فيه إنما هو على حسب الأصول الكلية.
الجواب: أما أولا: فبمنع بطلان التوقف في العمل من حيث إن العمل مقرر من الشارع. وكون كل أحد مكلف ببناء عمله في كل واقعة على حكم، كلام سخيف لغو، لا أدري أن في جميع الأمور المرددة بين المستحب والمباح، لو لم يرجع أحد إلى دليله، ولم يبن عمله على أحد الطرفين، وكان متوقفا في حكم