الشارع، فأي إثم عليه، وأي مؤاخذة عليه؟ ومن قال: إنه مكلف البتة أن يبني عمله على أحد الطرفين؟
وكذلك جميع الأمور المرددة بين والمباح والمستحب والمكروه، بل في جميع الأمور المرددة بين الحرام وواحد من هذه الأحكام، لو توقف في الحكم، ولكن تركه لا من جهة أنه حكم الشارع، بل للرجحان العقلي، أي ذنب صدر منه؟ و لم يجب عليه البناء على الحكم المعين؟
ولو كلف كل أحد بذلك، لزم فسق جميع الفقهاء الأطياب، وكونهم تاركين للواجب، إذ ليس أحد منهم لم يتوقف في مسائل عديدة.
والعذر الذي ذكره لتوقفهم، والمعنى الذي فسره، لا معنى له كما يأتي.
وأما ثانيا: فبمنع بطلان التوقف في الافتاء في الحكم الظني الواقعي والعلمي الظاهري، وبطلان نفي وجوب الافتاء ممنوع، وما الدليل على وجوب الافتاء في كل واقعة على كل مجتهد؟ ومن أين ثبت الاجماع عليه؟ وما ترى من عدم توقفهم فإنما هو لثبوت حجية دليل ظني لهم، أو وجود دليل علمي.
وما يقولون من أن الاجتهاد واجب أما عينا أو كفاية، فهو أمر اخر لا دخل له بتلك المقدمة، إذ لا شك من لزوم وجود مجتهد يميز بين المعلومات النظرية، وغير المعلومات، ويفتي في المعلومات، ويتفحص ويبذل جهده في غيرها في أنه هل يوجد ظن مخصوص، أو مطلق الظن، أو أمارة ثابتة الحجية أولا، فان كان، فيفتي بمقتضاه، فان لزوم الافتاء في المعلومات ولزوم الفحص في غيرها من البديهيات، وتلك المرحلة غير وجوب وجود شخص يفتي في جميع الوقائع.
وأما ما قال: من أنه لولا مثل ذلك الشخص، لزم الهرج والمرج، ليت شعري أنه لو لم يفت أحد في المستحبات، والمكروهات، وكثير من العبادات و متعلقاتها، وتوقفوا فيها كيف يلزم ذلك؟
إن قلت: يفرض الكلام في الأمور الواجبة، ويتم المطلوب بعدم الفصل.
قلنا: الالتجاء بالاجماع المركب في أمثال هذه المقامات، كتشبث الغريق