هذا الظن، أو القول بحجية الظن، والأول لم يثبت، فتعين الثاني، فلا يتم هذا الجواب الا على القول بأصالة حجية كل ظن ولا يخفى أن هذا القائل خلط بين ترجيح الشئ وتعيينه، ولم يفهم الفرق بينهما.
ونحن لبيان المطلب نقدم أولا مقدمة، ثم نجيب عن كلامه.
وهي: أنه لا ريب في بطلان الترجيح بلا مرجح، فإنه مما يحكم بقبحه العقل والعرف والعادة، بل يقولون بامتناعه الذاتي كالترجيح وبلا مرجح والمراد بالترجيح بلا مرجح، هو: الكون مع أحد الطرفين، والميل إليه، والاخذ به من غير مرجح وإن لم يحكم بتعيينه وجوبا، وأما الحكم بذلك فهو أمر اخر وراء ذلك ولنوضح ذلك بأمثلة، فنقول: إذا أرسل سلطان مثلا عبدا إلى بلد، وقرر له أحكاما وطلبها منه، ولم يعلم ذلك العبد تلك الأحكام، ولكن أخبره عادل بأنه طلب منه إكرام زيد وعمرو وبكر وخالد، من غير نفي أحكام اخر، واخر، بأنه طلب منه بناء دار ومسجد وقنطرة ورباط من دون نفي الغير وثالث، بأنه طلب منه كتابة مصحف وكتاب وديوان كذلك، ولم يكن له بد من العمل بأقوال هؤلاء وكلا أو بعضا، ولكن لم يعلم أن أحكامه هل هي ما أخبر به الجميع أو واحد أو اثنين، فان كان الجميع متساوين من جميع الوجوه، فلو عمل بقول واحد معين منهم من حيث هو قوله كان ترجيحا بلا مرجح، وموردا للقبح ولكن لو كان الظن الحاصل من قول أحدهم أقوى، أو ضم معه مكتوب متضمن للاخذ بقوله من السلطان أو الوزير من غير أن يفيد العلم، ولا أن يكون دليل على حجية ذلك المكتوب، فلو اخذ بقوله وعمل به، لم يلزم ترجيح بلا مرجح، ولا قبح فيه عقلا ولا عرفا، نعم لا يجوز له الحكم بأن الواجب أخذه عليه هو ذلك الا مع حجة عليه.
ومن هذا القبيل: لو حضر طعامان عند أحد، أحدهما ألذ من الاخر، فلو