ومن عجائب الأحوال أنك تقول: إنه ليست حجية الاجماع إلا لكشفه عن قول المعصوم، وتعلم قطعا عند تعارض الامارتين الشرعيتين: أن قول المعصوم ليس إلا واحد منهما معينا، دون التخيير، ومع ذلك حكم المعصوم في حق من لا يترجح أحدهما عنده بالتخيير.
فلم لم يجز 1 التخيير في سائر الوقائع التي لا يفهم حكمها؟ وإن لم يقل به فيها غيره من العلماء وأعجب منه وأغرب، أنه يقول: إن القول بالتخيير موجب للهرج والمرج أيها المسكين لو كان في عصر مجتهدون ومتعددون، اختار كل منهم في هذه الوقائع قولا، أليس العوام مخيرين في اختيار كل من هذه الأقوال؟
بل على القول بجواز تقليد الأموات أليس الكل في كل هذه الوقائع مخيرين في الاخذ بما أرادوا من هذه الأقوال المختلفة، لا سيما على القول بجواز الرجوع عن التقليد، فكيف لا يلزم حينئذ هرج ومرج، ولو قلنا بهذا التخيير بعينه لعدم ثبوت حجية دليل بعينه، يلزم الهرج والمرج؟! مع أنه لا ضرر في أن يكون التخيير لهذا المجتهد خاصة، وما اختاره من الاحتمالات يفتي به لسائر الناس وأعجب من ذلك أيضا وأغرب، أنه قال: لو لم يثبت ذلك الاجماع، لم يثبت إجماع في مسألة، فإنه لا كلام لاحد هنا في ثبوت الاجماع، ولكن نقول إنه يثبت تارة بالاجماع أن الامام حكم بهذا الحكم المعين، ويكون الاجماع حينئذ دليلا على هذا الحكم المعين، وأخرى أن الامام حكم بأحد هذين الحكمين معينا، ولكن لا يعلم بعينه، وفائدة الاجماع حينئذ أنه لا يمكن التجاوز عن هذين الحكمين، ويحدث قولا ثالثا، ولكن لا يلزم أن يؤخذ بأحد الحكمين معينا البتة، و لذا ترى بناء الفقهاء في مثل هذه الموارد على التخيير، بل قال الامام بنفسه: إنك في مثل ذلك مخير، مع أنه كان حكمي معينا.