يأتي - ووجوب العمل بالظن بعد سد باب العلم ونحو ذلك؟!
وإن لم تعزل العقل بالمرة، فكيف تقول: لا دليل قطعي على اعتبار الأصل و لو كان الظن على خلافه فيما إذا لم يكن دليل قطعي على حجية الظن؟
وهل يكون دليل قطعي أتم وأحسن من أنا لو فرضنا أنفسنا واقفة عند الله سبحانه في يوم الحشر ويسأل عنا: أنكم لم عملتم بأصل البراءة، وما حكمتم باشتغال الذمة؟ فنجيب بأنا بذلنا جهدنا، وسعينا غاية السعي، ولم يحصل لنا العلم باشتغال ذمتنا، وإن حصل لنا ظن، سعينا وبذلنا جهدنا، فلم يحصل لنا العلم بوجوب العمل بهذا الظن، وكونه دليلا وحجة لنا، وكنا عالمين في حقك أنك لا تكلف بما لا يعلم، ولا بشئ لم تنصب عليه دليلا، ومنه العمل بالمظنون.
هذا، مضافا إلى ما وصل إلينا من كتابك الكريم، والاخبار المنسوبة إلى حججك من ذم العمل بالظن، والنهي عن التدين بما لا يعلم، وعدم اشتغال الذمة في صورة عدم العلم، فلهذا عملنا بالأصل.
فما يقول الله سبحانه لنا؟ وهل يجوز عليه مؤاخذتنا وعذابنا لأجل ذلك؟
حاشا وكلا وأما لو قال لك: أيها الرجل لم اتبعت ظنك، وجعلت ديني تابعا لظنك، بل جعلت ظنك لك نبيا وإماما من دون حجة وبرهان؟ مع أني لم أكلف بمتابعة نبي (أو إمام) 1 إلا مع معجزة أو كرامة وبراهين ساطعة، وأنت اتبعت ظنك بلا حجة وسبب، مع احتمال كونه مخالفا لديني، ومع كثرة الإشارات في كلامي على ذمه، فما جوابك عنه سبحانه؟
فان قلت: أجيب بأني أتيت، وعملت بكل ما ظننت أنه مطلوبك، و تركت كل ما ظننت أنه مبغوضك، وهذا كان ديني، ولا شك أنه تقبح المؤاخذة حينئذ.