ولا يمكن أيضا أن يقال: إن استصحاب شغل الذمة يقتضي تحصيل البراءة اليقينية، وهو يحصل بالعمل بالأكثر لاندراج الأقل تحته، لأ نهما ماهيتان متغايرتان لا يكفي أحدهما عن الآخر، والنسبة بينهما تباين.
والجمع بين الأخبار في حد المسافة، - كما سيجئ إن شاء الله - يعطي تأييد التمام حينئذ، وكذا اشتراطهم إن شاء قصد المسافة، بعد الخروج عن بلد الإقامة، في التقصير يؤيد ذلك.
فهذان مع ما ذكرنا من ظهور ذلك من تتبع الأخبار، وأن حكم بلد الإقامة والوطن متحد وعدم ظهور خلاف في ذلك - بل لعله يكون إجماعا - لعله يرجح التمام.
والاحتياط أن لا ينوي العشرة بل نية عدمها كما ذكرنا، وإن نواها قصر وأتم.
وأما الأول فهو موضع وفاق بين الأصحاب، والأخبار به مستفيضة.
فروى الكليني في الحسن والصحيح، والشيخ في الصحيح، عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: أرأيت من قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون مقصرا؟ ومتى ينبغي له أن يتم؟ قال: إذا دخلت أرضا فأيقنت أن لك بها مقاما عشرة أيام فأتم الصلاة، فإن لم تدر ما مقامك بها تقول: غدا أخرج أو بعد غد فقصر ما بينك وبين أن يمضي شهر، فإذا تم لك شهر فأتم الصلاة، وإن أردت أن تخرج من ساعتك (1).
ورويا في الحسن - لإبراهيم - عن أبي أيوب الخراز قال: سأل محمد [بن مسلم] أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا أسمع عن المسافر إن حدث نفسه بإقامة عشرة أيام، قال: فليتم الصلاة، وإن لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعد ثلاثين يوما، ثم ليتم وإن كان أقام يوما أو صلاة واحدة، فقال له محمد: بلغني أنك قلت: خمسا، فقال: قد قلت ذاك، قال: أبو أيوب: فقلت أنا: جعلت فداك يكون أقل من خمس؟ قال: لا (2).