وبعبارة أخرى: الاجماع وقع على أن الجواز حال التمكن من ذينك الشرطين، مشروط بهما لا مطلقا، فإذا لم يثبت ذلك مطلقا، فثبت الجواز من الأدلة، إذ هي أعم من العيني والتخييري، وإذا انتفى العيني في حال الغيبة بالإجماع بقي التخييري.
وأيضا يدل على الاستحباب الأخبار المتقدمة هاهنا.
وقد عرفت أن استدلالهم الأول ليس بشئ، لأن الجواز لا يبقى بعد رفع الوجوب، فيبقى للمخيرين أخبار الاستحباب، وللمحرمين الأصل والإجماع على الاشتراط حال التمكن، وهو مستصحب إلى حال الغيبة وعدم التمكن، ولا شك أن حال التمكن مقدم على حال عدمه، فيصح الاستصحاب وإطلاق سائر ما دل على الاشتراط.
والذي يترجح في النظر هو التخيير، واستحباب الجمعة. وإن كان أدلة المحرمين أيضا قوية، لأن الأصل والاستصحاب لا يعارض الأخبار الصحيحة المعمول بها عند أكثر الأصحاب والإطلاقات التي استدلوا بها، كعبارة الصحيفة وغيرها أيضا وإن كان ظاهرها الاختصاص مطلقا، لكن يمكن تقييدها بتلك الأخبار، مع ما ذكرنا سابقا من أن مراد المعصوم (عليه السلام) ظاهرا هو الشكاية عن غصب المخالفين، لا أنه لا يجوز لمتابعيهم ذلك أيضا، سيما ومع عدم تمكنهم عن حضور خدمتهم.
وأما الوجوب العيني فيدفعه الاجماعات المتراكمة أولا على اشتراط الصحة، والجواز بحضور الإمام أو نائبه مع التمكن، ولعله لم يكن قائل بالوجوب يومئذ بدون ذلك عينا، وإن كان قال قائل بذلك فهو خارق للإجماع.
وثانيا على نفي العينية في زمان الغيبة وعدم التمكن، كما ظهر في طي نقل الأقوال والإجماعات.
ويدفعه أيضا في حال عدم التمكن - مضافا إلى الاجماعات والأصول - الأدلة الدالة على الاستحباب، فلاحظ.