أخبار الثمانية، وأربعة وعشرين ميلا، وبياض يوم، ونحو ذلك استغرب حكم الإمام (عليه السلام) باعتبار بريد، فإنه ليس أحدا من ذلك، فقال متعجبا: " بريد؟ " فرفع استبعاده بأن المراد مقدار مسيرة يوم، وبياض يوم لا نفس سير يوم تام، والبريد إذا رجع فيه يصير بهذا المقدار، ويصير بمقدار يشغل يوما تاما.
وأما الحمل على التخيير في الأربعة فهو أيضا بعيد وإن كان أقرب من الأول، وذلك لأنه أيضا مستلزم لطرح تلك الأخبار، وحملها على الجواز بالنظر إلى سياقها بعيد. ومما ذكرنا يظهر ضعف سائر التوجيهات والأقوال.
واعلم أن الذي يقتضيه القواعد والأصول هو أن قصد الثمانية يكفي في القصر، وليس في الأخبار ما يدل على اعتبار عدم قصد إقامة العشرة، إذ الرجوع أعم مما قبل العشرة وبعدها، وكذا الثمانية أعم من المفصول بينها بالعشرة وغيرها.
فليس الداعي لنا في اعتبار ذلك إلا ما قدمناه في المباحث السابقة من أن القصر مشروط بعدم تشريك قصد الإقامة دون تمام المسافة، فإن ثبت الاجماع على ذلك أو غير الاجماع مما قدمنا هنا فهو، وإلا ففي اشتراط ذلك تأمل. وقد بينا سابقا ما يرجح اعتبار ذلك.
أما لو عرض الإقامة في الأثناء أو التردد في ثلاثين يوما فالحال كما قدمناه.
ولا يتفاوت الأمر بين الثمانية المتمادية أو الأربعة المراد رجوعها مطلقا.
وبالجملة: يجب التقصير في الأربعة المراد رجوعها مطلقا إلا إذا انقطع بأحد القواطع المتقدمة.
وينبغي التنبيه لأمور:
الأول: الفرسخ ثلاثة أميال، والظاهر أنه اتفاقي العلماء كما نقل ذلك جماعة، وقد ورد في الأخبار أيضا وقد مر.
والميل في اللغة - كما ذكره في القاموس - قدر مد بصر أو مسافة من الأرض متراخية بلا حد، أو مائة ألف إصبع إلا أربعة آلاف إصبع.